/محمد حمية/
زاد تصريح وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب حول مسيّرات حزب الله فوق “كاريش”، مشهد ترسيم الحدود تعقيداً، وكشف مكامن الضعف والتباين بين أركان الدولة نفسها من جهة، وبين موقفها وموقف المقاومة من جهة ثانية.
وإن كان كلام وزير الخارجية بالتبرؤ من عملية المقاومة لا يعكس موقفه ولا موقف المرجعية السياسية الذي ينتمي اليها، بل يُعبر عن موقف حكومة تصريف الأعمال ورئيسها تحديداً، وفق ما تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”الجريدة” وذلك بعد سلسلة من الضغوط الخارجية، الأميركية ـ الأوروبية، التي اشتدت ليل أمس على ميقاتي ومسؤولين آخرين، ما فرض تشاوراً بين بعبدا والسراي الحكومي للخروج بموقف واحد من عملية المسيّرات. لكن في الوقت عينه موقف السراي الحكومي المنسق مع بعبدا سيلقى اعتراضاً من الضاحية وعين التينة، وقد يؤدي الى تشنج في العلاقة بين الطرفين.
لكن السؤال: هل تُختزل قرارات وبيانات ومواقف الحكومة وسياستها الخارجية برئيسها ووزير خارجيتها من دون الحكومة مجتمعة، لا سيما وأنها حكومة تصريف أعمال؟ فما هو موقف بقية الوزراء من بيان وزير الخارجية ومن ملف الترسيم عموماً؟ وماذا عن البيان الوزاري للحكومة الذي يكرس حق المقاومة بحماية لبنان وثرواته الى جانب الجيش والشعب؟
بحسب المصادر، فإن موقف الحكومة الذي أعلنه وزير الخارجية، كشف الموقف “الرسمي الموحد”، وأظهر هشاشته والتباين بين أركان الدولة على مقاربة ملف الترسيم وعلى الخطوط الحدودية، كما فضح المزايدين الذين ذهبوا بعيداً في التمسك بالسيادة بالمطالبة بالخط 29 وانتقدوا صمت المقاومة في الأيام الأولى لدخول الباخرة اليونانية حقل كاريش، وعادوا وانتقدوا عملية المقاومة الأخيرة تحت شعار حصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة!
موقف ميقاتي سيلقي بتداعياته السلبية على الموقف الرسمي، وسيفتح المجال للعدو الإسرائيلي للعب على وتر الشقاق في الموقف الوطني، والمضي بالأعمال التحضيرية لاستخراج الغاز خلال شهرين.
خبراء في الشأن العسكري والاستراتيجي يتوقعون معركة حامية الوطيس على ملف الترسيم، في ظل تقاطع مصالح أميركية ـ أوروبية ـ إسرائيلية لتمكين الاحتلال من استخراج الغاز لتصديره الى أوروبا، وفق العقود الموقعة بين أوروبا والكيان الإسرائيلي، نظراً للحاجة الأوروبية الماسة للغاز قبل حلول فصل الشتاء في أوروبا، إضافة الى الحاجة الأميركية لبديل عن الغاز الروسي لتشديد الحصار النفطي ـ الاقتصادي ـ على موسكو، في مقابل معركة كرّ وفر بين أركان الدولة والمقاومة وصعوبة في تظهير موقف موحد.
أوساط على صلة بموقف “حزب الله” توضح لـ”الجريدة” أن عملية المقاومة جاءت بعدما تأخر الوسيط الأميركي بالحصول على الرد الإسرائيلي على المقترح اللبناني للترسيم، ورفض “إسرائيل” وقف أعمال الاستخراج في المنطقة المتنازع عليها، وبعدما اتضح للمقاومة وجود مخطط يجري تمريره وفرض أمر واقع على لبنان. وتحذر الأوساط من استغلال العدو تضعضع الموقف اللبناني بعد تصريحات وزير الخارجية، محذرة من أن جهات في الدولة، وبتوجهات خارجية، تعمل على تحييد المقاومة عن ملف الترسيم، وتجويف المعادلة التي أطلقها السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير.
وفيما تشير مصادر ميقاتي ووزير الخارجية إلى أن لبنان لا يستطيع تبني عملية المقاومة أمام المجتمع الدولي والقوى الكبرى التي تقف الى جانب لبنان الذي يحترم القرارات الدولية، وحرصاً من الحكومة على استمرار الوساطة الأميركية والحل الدبلوماسي لأزمة الترسيم، تساءلت المصادر القريبة من الحزب: هل مسار الأداء الأميركي في كافة الملفات، وفي ملف الترسيم تحديداً، يشير الى أنها تراعي المصلحة اللبنانية، أم أنها تعمل لحساب المصلحة الإسرائيلية؟ وهل استجابت واشنطن الى المقترح اللبناني، لا سيما بالضغط على “إسرائيل” لوقف أعمال التنقيب؟ وهل اقنعت واشنطن “إسرائيل” بالعودة الى التفاوض والقبول بالمقترح اللبناني الذي يتضمن تمسك لبنان بالخط 23 مع خط متعرج يضم حقل قانا كاملاً؟ ألم يلمس المفاوض اللبناني مماطلة وتسويفاً أميركياً، لتمرير الوقت وإلهاء اللبنانيين وإيهامهم وخداهم بالحديث عن الأجواء الإيجابية والعودة الى المفاوضات، لكي يتيح الفرصة للإسرائيلي استمرار العمل بالمنطقة المتنازع عليها، والبدء باستخراج الغاز، وفرض أمر واقع قد يستفيد منه في القانون الدولي، ما يصعب على لبنان إزالته؟
وتبدي الأوساط استغرابها كون الدولة لم تحترم حتى موقفها بالطلب من الأميركيين وقف أعمال الاستخراج في كاريش.. وتسأل: على ماذا استندت الدولة وقتذاك بطلبها هذا؟ أليس على قوة المقاومة الوحيدة التي تفرض معادلة الردع؟