روبرت ساتلوف (*)
هل يجدر بالرئيس بايدن زيارة المملكة العربية السعودية ومصافحة ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، العقل المدبر المزعوم لاغتيال الصحفي جمال خاشقجي؟
الجواب نعم. وفي الواقع، هناك ضرورة أخلاقية قوية للقيام بذلك.
كثيراً ما تتم صياغة الجدل الدائر حول زيارة بايدن المقترحة على أنه تَعارض المبادئ مع الواقعية. فمن جهة، نجد استياء الرئيس الأميركي من التقطيع المروّع لأوصال خاشقجي، والذي دفعه إلى وصف الأمير محمد بن سلمان بـ”المنبوذ”. ومن جهة أخرى، يلوح في الأفق متوسط سعر البنزين في الولايات المتحدة وقدره 5 دولارات للغالون الواحد، الأمر الذي يهدد بتفاقم توقعات الديمقراطيين القاتمة في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر.
ووفقاً للجدل الدائر، من الضروري أن يدوس بايدن على كبريائه، ويعرض على الأمير محمد بن سلمان بطاقته الخاصة للخروج من المطهر، مقابل موافقة السعودية على ضخ المزيد من النفط. وقد أعلن البيت الأبيض عن مواعيد رحلة بايدن في منتصف تموز/يوليو، ولكن بناءً على التعليق المتوتر الأخير الذي أدلى به بايدن، بأنه على الرغم من أن مساراتهما ستتقاطع لا محالة في اجتماع دولي في جدة، إلا أنه غير ذاهب إلى السعودية للقاء محمد بن سلمان؛ وتبدو عدم رغبة الرئيس الأميركي واضحة في هذا الشأن.
أنا شخصياً متعاطف بشدة مع هذا الرأي. ففقدان خاشقجي لمكانته في السعودية بدأ، إلى حد ما، في غرفة الاجتماعات في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، وهو مركز أبحاث يديره كاتب هذه السطور. فقد شارك خاشقجي في المعهد في لقاء متلفز قبل يومين من الانتخابات الأميركية عام 2016 حيث قال إن فوز ترامب سيكون مروعاً للمصالح العربية، وهو تقييم تَعارض بشكل مباشر مع وجهة النظر السعودية الرسمية. وما هي إلا أيام حتى تم فصله من منصبه التحريري في وسائل الإعلام السعودية وبدأ يتحول [في نظرتها] من مشاكس يلقى التسامح إلى عدو للدولة. ومنذ سنوات أتساءل كيف كان سيكون مصير خاشقجي – ومصير العلاقة الأميركية السعودية ـ مختلفاً لو دعوتُ معلّقاً آخر للتحدث في ذلك اليوم.
ولكن مهما بلغت أهمية مقتل خاشقجي، فإن الإحجام عن التعامل مع القائد الذي يُزعم أنه مسؤول عن مقتله، وبالتالي إضفاء الشرعية عليه ـ بالإضافة إلى انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى داخل المملكة ـ ليس هو القضية الأخلاقية الوحيدة اليوم على المحك في العلاقات الأميركية السعودية. من الضروري أن توسّع الولايات المتحدة آفاقها لتدرك أن هناك شيئاً أكبر يحدث في السعودية له أهمية عميقة من الناحيتين الأخلاقية والاستراتيجية.
فما هو الأمر المهم جداً لمصالح واشنطن لدرجة أنه لا يستحق سفر بايدن إلى المملكة فحسب، بل يستوجبه أيضاً؟ إنه القرار الجوهري الذي اتخذته القيادة السعودية بإنهاء دعمها وتمويلها للتطرف الإسلامي، ووقف تصديرها للأيديولوجية المتطرفة على مدى عقود، والتركيز بدلاً من ذلك على أجندة إيجابية للتنمية البشرية داخل البلاد وتطوير علاقة مع المسلمين في جميع أنحاء العالم تعمل على حثهم على احترام سليم لقوانين ومعايير البلدان التي يعيشون فيها. وهذا أمر في غاية الأهمية.
فلنضع الأمور في سياقها: من كبرى المفارقات في التاريخ السعودي أن أخطر تهديد لدولة تأسست على الالتزام الصارم بمبادئ الإسلام كان ثائرة بعض المسلمين الذين هم أكثر صرامة، وأكثر عقائدية وأكثر تعصباً في إيمانهم من السعوديين. وفي بعض الأحيان، كان ذلك يعني مواجهة التهديد. وفي أوقات أخرى، كان يعني استيعاب التهديد. فمنذ استيلاء الأسلاف الأيديولوجيين لأسامة بن لادن على مسجد مكة المكرمة في عام 1978 على الأقل، حاولت الاستراتيجية السعودية الالتفاف على المتطرفين من خلال التفوق عليهم، وتمويل الأشخاص والمؤسسات التي تنافس المتطرفين في تطرفهم. وعلى أرض الواقع، نصّت هذه الاستراتيجية على دفع الأموال مقابل الحماية، مما تطلّب من المملكة دفع ثمن أكبر من أي وقت مضى للبقاء متقدمة بخطوة واحدة فقط على المتطرفين. وبذلك، حُكم على هذه الاستراتيجية بالفشل ـ وحين قاد كل هؤلاء الشباب السعوديين الطائرات واصطدموا ببرجيْ مركز التجارة العالمي، منيت هذه الاستراتيجية بفشل ذريع.
بيد أن الإفلات من قبضة التطرف شكّل عملية بطيئة جداً بالنسبة للسعوديين. وحدث التغييران الأكثر جذرية خلال السنوات الخمس الماضية، بعد أن عيّن الملك سلمان ابنه محمد ولياً للعهد.
التغيير الأول هو عملية اجتماعية وثقافية واقتصادية جذرية تعيد توجيه الحياة السعودية المحلية بهدف إطلاق العنان للسكان السعوديين ـ إناثاً وذكوراً ـ لكي تتمكن المملكة في النهاية من الصمود عند الانتقال إلى اقتصاد غير قائم على النفط. والتغيير الثاني هو تحول جذري مماثل في السياسة الخارجية بعيداً عن دعم شبكة عالمية من المساجد والمدارس الدينية المتطرفة ونحو دعوة المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى إعطاء الأولوية للولاء للبلدان التي يعيشون فيها على الولاء لنسخة من الإسلام عابرة للأوطان. والجديد هنا هو أنه بدلاً من مجرد استنكار السلوك البغيض، استبدله الأمير محمد بن سلمان بأجندة إيجابية.
من الواضح أن هذين التغييرين الثوريين يصبّان في مصلحة أميركا، وهما خطوتان عملاقتان في الاتجاه الصحيح ـ لكنهما ليستا أكثر من ذلك. ومع ذلك، فإنهما في مراحلهما الأولى والطريق أمامهما طويل. ولكن من الممكن عكس مسارهما، خاصة إذا أثبتت القوى المحافظة ـ الهادئة حالياً ـ أنها أكثر قوة ومكراً مما تبدو عليه. كما أنها مبادرات تبدأ من أعلى الهرم إلى أسفله بتوجيه من قائد صاحب رؤية ومتقلب المزاج في الوقت نفسه.
نعم إذاً، أيها الرئيس بايدن، اذهب إلى السعودية وصافح الأمير محمد بن سلمان. ولكن لا تذهب لتسجد أمامه لقاء الحصول على بضعة براميل إضافية من النفط وخفض سعر الوقود بضعة سنتات. بدلاً من ذلك، ربّت على كتفه لتهنئته على الخطوات الحيوية ولكن غير المكتملة التي اتخذها لجرّ المملكة من القرن السابع إلى القرن الواحد والعشرين، وحثّه على مواصلة العمل. وإذا كنت تريد أن تنصحه بأن يكمّل الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي بالانفتاح السياسي، فلا تتوانَ عن ذلك. فبعد كل ما مرت به الولايات المتحدة خلال السنوات الواحدة والعشرين الماضية، أليس من الضرورة الأخلاقية الحقيقية ألا تتجنب الأمير محمد بن سلمان، ولكن بذل كل ما بوسعك كرئيس لتضمن أن تكون مملكة الغد مختلفة بشكل نهائي وقاطع ولا رجعة فيها عن مملكة الأمس؟
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لـ”معهد واشنطن”