/ حسن فقيه /
كل الأزمات كان وقعها مُرّ بشكل كبير على اللبنانيين، إلا أزمة الكهرباء، التي لطالما كان وقعها أقل مرارة، والسبب أن اللبناني اعتاد منذ زمن على انقطاع التيار الكهربائي بالرغم من المليارات التي صرفت. لكن ما كان وقعه أشد قسوة هو الانقطاع الكامل ولأيام، حتى أصبح مجيء التيار الكهربائي في لبنان يستدعي أعراساً واحتفالات.
قبل أيام قليلة، وقع لبنان اتفاقاً مع مصر لاستيراد الغاز منها عبر سوريا. هذه الخطوة التي طال انتظارها، كانت قد طُرحت للمرة الأولى في صيف 2021، من أجل معالجة النقص الكبير في طاقة الكهرباء في لبنان، من خلال استخدام الغاز المصري الذي يتم توريده عبر أراضي الأردن وسوريا. الا أن الاتفاق يحتاج لضوء اخضر أميركي، في ظل قانون قيصر الذي تفرضه الولايات المتحدة والمتعلق بتجميد أصول أي شخص يتعامل مع الدولة في سوريا.
الوسيط الأميركي في قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وكيان الاحتلال، آموس هوكشتاين، أكد أن الموافقة النهائية على الاتفاق بين البلدين، ستسمح لواشنطن بتقييم ما إذا كان المشروع يمتثل للعقوبات الأميركية على سوريا، معتبراً أنه بعد ذلك يمكن أن “يتدفق الغاز في نهاية المطاف”.
بعد هذا التوقيع والاعلان الذي حصل في مقر وزارة الطاقة اللبنانية، تزايدت علامات الاستفهام حول ضوء أخضر أميركي: أعطي للموضوع أم لم يعطَ؟ خصوصاً في ظل التصعيد الخطير بين لبنان وكيان الاحتلال، حول موضوع الحدود البحرية والخط 29 الذي لم ينل اجماعاً وطنياً لتبنيه، حتى وصل الحديث عند بعض الاشخاص في البلد عن تنازلات حصلت واتفاقات من هنا وهناك..
هل لموضوع ترسيم الحدود البحرية علاقة مع موضوع استيراد الغاز المصري عبر سوريا، ثم عقد صفقة لاستيراد الكهرباء من الاردن، لترتفع الحصيلة الاجمالية لساعات التغذية الى عشر ساعات بدلاً من ساعتين في الوقت الحالي؟
لا شك أن اتفاقاً حصل بين الاطراف المعنية والولايات المتحدة الاميركية، أو أنه في طور الحصول، وفي حال الاخلال به سيكون هذا الاتفاق مجرد حبر على ورق. فوزير الطاقة اللبناني وليد فياض، كان قد أعلن في وقت سابق، ضرورة التأكد من أن الاتفاق لن يؤثر سلباً على لبنان، بسبب قانون قيصر المفروض، فلا يمكن ان تكون هذا الخطوة تحدٍ للأميركي، لأنه لا المصري ولا الأردني سيدخلان في أزمة مع أميركا لمصلحة لبنان.
هذه المعطيات، جميعها، ترشدنا نحو طريق اتفاق قد حصل ووقع بين لبنان ومصر والولايات المتحدة الاميركية، من دون معرفة الثمن المدفوع.. إلا أن الأيام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة عن هذا الموضوع.
الناس فقدت الثقة
يكفي التجول ميدانياً، لمعرفة آراء الناس حول موضوع الاتفاقية، ومدى تفاؤلهم بالوصول إلى ساعات تغذية أكثر، في ظل العتمة الشاملة التي وصلت اليها البلاد.. حتى تأتي الأجوبة التي تؤكد أن لا ثقة بكل قطاع الطاقة والكهرباء في لبنان، فمن وعد ب 24 على 24، ثم عاد الوعد ليتناقص إلى نصف هذه المدة، ثم إلى نصف النصف… لا يمكن أن يصدق حتى ترى العين ان التغذية الكهربائية ازدادت، ولو دون المرجو والمأمول، فكما يقال “لا تستحوا من اعطاء القليل، فإن الحرمان أقل منه”.
ومع الأربع ساعات التي أكد وزير الطاقة تأمين الاتفاق عليها، إضافة لمعدل ساعتين يومياً، تصبح المدة الاجمالية لدى المواطن 6 ساعات، مرشحة للزيادة في حال توقيع اتفاقية مع الاردن، ومرشحة للتدهور كلياً في حال أي صدام مع الاميركي، وهو أمر يبدو مستبعداً في ظل التطورات الحالية.
الهدر في قطاع الكهرباء هو السبب الذي يعتبر الأساس في الازمة الاقتصادية الحالية، ولا يمكن تجاوز هذه الازمة من دون تجاوز مشاكل الكهرباء وايجاد حلول لها. هذا القطاع لوحده رتب على اللبنانيين نصف الدين العام، في ظل إدارة له لم تتغير إلا بالاسماء. فهل تتحسن الامور ولو جزئياً بعد كل ما مر ويمر على المواطن اللبناني؟














