/ هبة علّام /
واقع مرير يعيشه المواطن مع مؤسسات الدولة في هذه الظروف، فاللبنانيون مكبّلون لا يمكنهم تخليص معاملاتهم وتسيير شؤونهم، بسبب الأزمة الاقتصادية التي أرخت بكل ثقلها على دوائر الدولة.
بالمقابل، يتعرّض المواطنون للمحاسبة ودفع الغرامات في حال تأخّروا عن تنفيذ واجباتهم الرسمية، أو دفع ما هو مستحق عليهم للدولة.
هذه الأزمة الخطيرة تهدّد بالانهيار الكامل للمؤسسات وما تبقى من “فتات” هذه الدولة، فيما يقف المواطن عاجزاً بين غيبوبة المسؤولين وبين حق الموظفين المتخلّفين عن الحضور إلى أعمالهم بسبب انعدام قدرتهم الشرائية ورواتبهم التي لم تعد تكفيهم يومين، فضلاً عن عدم قدرتهم على التنقل من وإلى مراكز أعمالهم.
أشهر طويلة مضت وهذا حال المؤسسات الرسمية، يتكبد المواطنون عناء وتكاليف الانتقال إليها لإنجاز معاملاتهم، فلا يجدون موظفين.
أسباب هؤلاء الموظفين كثيرة، ويزيدها عدم وجود أموال في صناديق مؤسساتهم لتأمين المستلزمات المطلوبة من ورق وقرطاسية، حتى وصل الأمر إلى الطلب من المواطن إحضار أوراق بيضاء معه ليتم إنجاز معاملته عليها. هذا فضلاً عن الكهرباء المقطوعة، ما يؤدي إلى توقّف نظام التشغيل، وبالتالي توقف العمل داخل المؤسسة، لاسيما أن معظم الدوائر فرغت حتى من أوراق النماذج الرسمية ومن إيصالات الدفع، إضافة إلى عدم القدرة على تأمين المازوت لتشغيل المولدات، وغيرها من المشكلات التي تواجه سير عمل تلك المؤسسات.
منذ يومين، حصل هرج ومرج أمام أحد مراكز الضمان الاجتماعي، بحسب ما علم موقع “الجريدة”، وبعد انتظار عشرات المواطنين لساعات منذ الصباح الباكر أمام المركز، خرج المدير العام ليبلغهم عن أسفه لعدم استقبالهم بسبب انقطاع المازوت والكهرباء في الفرع الرئيسي للضمان، وبالتالي انفصال نظام التشغيل عن كل المراكز المرتبطة به، وهو ما أثار غضب الناس، لاسيما من أتى منهم من أماكن بعيدة، وبالتالي لا “ضمان” حتى يتم حلّ مشكلة الكهرباء، ما يعني تأخير إنجاز المعاملات أكثر.
ما جرى، يحدث كل يوم في كل مؤسسات الدولة من دون استثناء، فيما المواطن مُطالَب بأن تكون أوراقه رسمية، وأن يكون قد أتمّ كل واجباته تجاه الدولة من دون تأخير، وإلا فهو معرض لدفع الغرامات أو تسطير محاضر ضبط بحقه.. فأي عدل هذا؟
وبالأمس القريب قرّرت وزارة الداخلية أن تعيد إحياء قانون السير الذي نسيه المواطنون، فتمت مصادرة دراجات نارية وتسطير محاضر ضبط بسبب عدم تسجيل المركبات أو التأخر في دفع رسوم السير، بينما مصلحة تسجيل السيارات والآليات، “النافعة”، مقفلة حتى إشعار آخر. وبالتالي لم يتمكن المواطنون منذ ما يقارب الثلاثة أشهر من تسجيل مركباتهم أو الاستحصال على دفاتر سوق.
كيف للوزارات والهيئات الرسمية أن تطالب المواطنين بالالتزام وفقاً لمقتضيات القانون، فيما الناس عاجزة قسراً عن هذا الالتزام؟
هذه الحلقة المفرغة التي يدور فيها اللبنانيون أشبه بمتاهة لا يُعرف مدخلها من مخرجها، والدولة المفلسة عاجزة وتتفرّج على انهيار آخر قلاعها. حيث لا حلول تُقدم للموظفين حتى يتمكنّوا من الاستمرار في تقديم خدماتهم وسط هذه الأزمة الاقتصادية المستفحلة، ولا أموال تُنفق لتأمين حسن سير العمل الإداري للدولة.