/محمد حمية/
خلط موقف حزب “القوات اللبنانية” أوراق التكليف وبعّثر السيناريوات الحكومية المطروحة، وعادت أسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لترتفع وتقترب من سدة التكليف أقرب من أي وقتٍ مضى.
حتى ظهر اليوم، كادت الموازين النيابية تميل إلى كفة نواف سلام بعدما أعلنت كتلة “اللقاء الديموقراطي” تسميتها سلام أمس، وكانت التوقعات تُرجح أن تحذو “القوات” حذو الحزب الاشتراكي بدعم سلام.. لكن رياح المصالح والحسابات السياسية لا تسير وفق ما تشتهي التدخلات، ففجر رئيس “القوات” سمير جعجع قنبلة مدوية بإعلانه عدم تسمية سلام، معززاً بذلك فرصة فوز ميقاتي في استشارات الغد ولو لم يمنحه أصوات “الكتلة القواتية”، وبذلك يكون قد اعتمد جعجع “نصف تسمية” لميقاتي، على اعتبار أن عدم تسمية سلام ترجح كفّة ميقاتي.
بمعزل عن المبررات غير المقنعة التي حاول جعجع تقديمها للرأي العام لإحجام “القوات” عن تسمية سلام، علماً أنها سبق ورشحته بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في آب العام 2020، لكن لا شك أن موقف “معراب” يعكس التوجه السعودي الذي دعم في البداية تكليف سلام من خلال حركة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري لتأمين الحاصل النيابي اللازم لذلك، قبل أن يقلع عن مشروعه..
فهل تكويعة “القوات” مرآة للتراجع السعودي؟
وإذا كان الأمر كذلك، هي الأسباب التي دفعت المملكة للتراجع عن خيارها؟
أولاً، أن المدة المتبقية الفاصلة عن موعد الاستحقاق الرئاسي لا تستأهل خوض معركة سياسية لأهداف غير واضحة وغير مضمونة النتائج، وقد تعود بنتائج عكسية تصب في مصلحة خصوم المملكة.
ثانياً، تبين للسفارة السعودية أن تكليف سلام بلا جدوى سياسية، ولن تستطع تعبيد طريق السراي الحكومي أمامه في ظل العقد الكأداء المتمثلة بتوقيع رئيس الجمهورية والميثاقية الشيعية بسبب رفض “الثنائي الشيعي” المشاركة بحكومة يترأسها سلام لأسباب سياسية معروفة، بل سيبقى سلام مكلفاً حتى يسقط التكليف تلقائياً فور انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في تشرين الأول المقبل، فتكون السعودية حققت نصراً نظرياً ومؤقتاً على حزب الله لن يدوم سوى ثلاثة أشهر لتعود وتتلقى تداعياته السياسية، علماً أن السعودية لن تستطع تظهير وتسويق فوز سلام على ميقاتي كخسارة لحزب الله، كون ميقاتي ليس مرشح الحزب ولو أن الضاحية تأنس لعودته الى السراي لغياب البديل، وفي ظل معادلة ربط النزاع القائمة معه التي تؤمن تمرير المراحل الأشد صعوبة بأقل الخسائر الممكنة.
ثالثاً، تبلغت السعودية من قنوات سياسية ليست بعيدة عن محيط “الثنائي الشيعي”، بأن البلد لا يحتمل خيارات تصعيدية تفجر الوضع الداخلي بمشاريع لا تصب في صالح المملكة ولا حلفائها في لبنان، وقد يكون الرئيس نبيه بري أوصل جزءاً من هذه الرسائل خلال زيارة البخاري الى عين التينة يوم الثلاثاء.
رابعاً، نُمي للسعودية أن دعم نواف سلام سيدفع “الثنائي” لاستجماع قوى حلفائه وتوحيدهم مع التيار الوطني الحر خلف مرشح واحد، وتكليف رئيس بالأكثرية التي أتت بالرئيس بري رئيساً للمجلس النيابي وبالنائب الياس بو صعب نائباً للرئيس، ما سيؤدي الى خسارة إضافية للسعودية ونصر مقابل للحزب في توقيت سعودي قاتل.
خامساً، أدرك الطرف السعودي أن التيار الوطني الحر ليس بوارد خوض مغامرة حكومية وسياسية من خلف ظهر حليفه حزب الله، وبالتالي لن يجاري خصوم الحزب بالاصطفاف خلف سلام، ولو كان يؤيد وصوله لكن ليس على حساب العلاقة مع الضاحية، لا سيما وأن جميع الأطراف تدرك أن لا تأليف حكومة في ظل العهد الحالي.
سادساً، لا يمكن إغفال غياب الحماسة لدى سلام لقبول التكليف، إذ لم يبذل الجهود المطلوبة على صعيد الحضور الى لبنان وإجراء الاتصالات بالكتل النيابية، ما يُخفي عدم رغبة واضحة لديه بعدم تلقفه المساعي السعودية ودعم الكتل. وقد يكون السبب شعور سلام بأنه سيتحول الى “كارت محروق” فور تكليفه، لأنه لن يستطيع تشكيل الحكومة وما هي إلا مدة قصيرة ويسقط تكليفه بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي.
سابعاً، أما العامل الحاسم الذي لجم الاندفاعة والمغامرة السعودية غير المحسوبة، فهو الدور الفرنسي الذي دخل على خط الاتصال مع الرياض لقطع الطريق على أية خطة لتوتير الساحة الداخلية تستفز وتستنفر حزب الله، فلا تحتمل فرنسا ما يعكر صفو العلاقة الجيدة التي بناها قصر الصنوبر والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون شخصياً مع الضاحية الجنوبية.. فالمصالح الفرنسية في لبنان تسمو على أي “مغامرة” سعودية، لا سيما وأن باريس وضعت خريطة طريق سياسية اقتصادية لإنقاذ لبنان منذ تفجير مرفأ بيروت، وكانت عرابة وصول ميقاتي الى رئاسة الحكومة، وعبدت طريق النهوض الاقتصادي أمام الحكومة عبر صندوق النقد الدولي وتتحين الفرصة الإقليمية – الدولية لتعويم لبنان بمؤتمرات سياسية ومالية تفتح الباب أمام إعادة إعمار مرفأ بيروت، ونافذة الاستثمارات في قطاعات حيوية مختلفة كالاتصالات والنفط والمصارف.. فكيف لـ”مغامرة” سعودية أن تخرب كل ما بنته “الأم الحنون”، وفق مصادر متابعة؟
لهذه الأسباب أرجأت السعودية معركة إيصال مرشحها لرئاسة الحكومة الى بداية انتخاب رئيس للجمهورية، وتراجعت خطوات الى الوراء، فتكون فرنسا أمنت الظروف المناسبة للعودة الآمنة لإعادة تكليف ميقاتي.
وبالمحصلة يعود ميقاتي رئيساً مكلفاً بأصوات كتل التنمية والتحرير (15) والوفاء للمقاومة (15)، الوطني المستقل (3) والمشاريع الخيرية (2)، الطاشناق (3) واللقاء الشمالي (6) و11 نائباً من المستقلين على الأقل، ما يعني نيل ميقاتي 55 صوتاً، ويرتفع الى 59 إذا صوت له النواب نعمت افرام وجميل عبود وغسان سكاف وميشال الضاهر.
فهل يصبح ميقاتي رئيساً أصيلاً أم يبقى مكلفاً الى العهد الجديد؟