ظلت بلدة تولي، لعقود من الزمن، ملاذاً للعائلات التي كانت تحرث الأرض وتهتم بقطعانها في أكبر منطقة، في إثيوبيا. غير أن أي إحساس بالملاذ الآمن تلاشى الاثنين الماضي، بعد يومين من هجوم شنه مسلحون على سكان البلدة الواقعة في منطقة أوروميا بغرب البلاد، ما أسفر عن مقتل مئات المدنيين من إتنية أمهرة وإصابة كثيرين آخرين وتدمير الممتلكات.
وفي حديث لصحيفة نيويورك تايمز، أشار فيكادو، أحد سكان البلدة، الذي أفصح عن اسمه الأول فقط خوفاً على سلامته، إلى أنهم “ليسوا بأمان”.
وقد هز الهجوم، الذي وقع السبت الماضي، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، حيث خلفت موجة العنف بين الأعراق والحرب الأهلية المرهقة، الملايين من القتلى أو النازحين أو من هم في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.
وفر فيكادو من موقع المذبحة إلى منطقة غيمبي القريبة، حيث وصل عشرات الجرحى من البلدة لتلقي المساعدة الطبية. وألقى باللوم على جماعة مسلحة محظورة من إتنية أورومو، وهي جيش جبهة تحرير أورومو، في الهجوم.
ولم يصدر بيان رسمي بعدد الضحايا حتى الآن، إلا ان شهوداً وتقارير تشير إلى أن عدد القتلى بلغ 200 أو أكثر.
وعزا حاكم ولاية أمهرة الإقليمية المجاورة، يلكال كيفالي، الهجوم إلى جيش تحرير أورومو أيضا، وفقا لوسائل إعلام حكومية.
وفي بيان لها، اتهمت حكومة أوروميا الاقليمية، أيضاً جيش تحرير أورومو، المصنف إرهابياً من قبل الحكومة الاثيوبية، بأنه شن “هجوماً عنيفاً ضد أبرياء” بعد معارك ضد القوات الحكومية صباح السبت في منطقة غيمبي.
وسبق أن اتهمت حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد جيش تحرير أورمو بارتكاب مجازر تستهدف أفراد من إتنية أمهرة، يقيمون في أوروميا.
وكان قد غرد أحمد، قائلاً: “إن الهجمات على المدنيين الأبرياء ’غير مقبولة‘، فاستعادة السلام والأمن في المجتمعات المتضررة تظل أولويتنا الرئيسية”.
ويسلط الهجوم الضوء على المهمة التي تواجه أحمد، حيث يحاول جعل سلطته مركزية في دولة يبلغ عدد سكانها 115 مليون نسمة وعشرات الجماعات العرقية، ذات المصالح المتباينة والمتضاربة في بعض الأحيان.
ونقلت فرانس برس عن شهود عيان، أن “المجزرة استمرت عدة ساعات وكان هناك عند انتهائها عدة جثث ممددة في الشوارع”.
وقال رجل من الأمهرة إنه “ساعد شخصياً في دفن 61 جثة الأحد”، مضيفاً أن “عدد الجثث التي دفنت الأحد كان 351 بالإجمال”.
ورأى الرجل أن “هدف كل هذه الهجمات إرغامهم على الرحيل، فمنازلهم وأملاكهم دمرت”، مضيفاً “أريد مغادرة هذه المنطقة، والذهاب إلى منطقة أجدادي. هذا سيتيح لي العيش بسلام على الأقل”.
وذكر شاهد آخر من الأمهرة، أنه “خسر ابنته البالغة 16 عاماً في الهجوم، إذ قتلت برصاص رجال مسلحين”، مشيراً إلى أن “المتمردين أغلقوا الطريق الرئيسي في المنطقة”.
ومن جهة ثانية، نفى جيش تحرير أورمو تنفيذ الهجوم، ونسبه إلى ميليشيا مرتبطة بالحكومة الإقليمية في أوروميا.
واتهم ناطق باسم جيش تحرير أورومو، يدعى أودا تاربي، الأحد، “ميليشيا إقليمية، موالية للحكومة، بأنها ارتكبت هذه الجرائم”، مطالباً بـ”تحقيق مستقل”.
وغرد عبر تويتر: “إن النظام يتهم مجدداً جيش تحرير أورومو بفظاعات ارتكبها المقاتلون التابعون له أثناء انسحابهم”.
وأفاد رئيس اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان، دانييل بيكيلي، أن “الهجوم أسفر عن خسائر فادحة في صفوف المدنيين، وإصابات وإلحاق أضرار بالممتلكات”.
وتجدر الاشارة إلى أن الهجوم جاء بعد أيام من اتهام اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان قوات الأمن الاثيوبية بأنها أعدمت من دون محاكمة، في عاصمة منطقة غامبيلا، أشخاصاً يشتبه في تعاونهم مع جيش تحرير أورومو، في ختام هجوم شنه متمردون على المدينة.
وأعلنت اللجنة الأثيوبية لحقوق الانسان، وهي هيئة عامة لكن مستقلة رسمياً، في بيان لها، “أن القوات الأمنية قامت بإعدامات من منزل إلى آخر”.
وكان هجوم تولي هو الأحدث في سلسلة من الهجمات العرقية، التي ألقت بظلالها على إثيوبيا، ما أثار تساؤلات حول الاستقرار طويل الأمد لهذه الدولة، الواقعة في القرن الأفريقي، ومكانتها الإقليمية، وقدرة مجموعاتها العرقية المتعددة على التعايش بسلام.
ويذكر أن الهجوم يأتي بعد قرابة عامين من الصراع في منطقة تيغراي الشمالية، والتي شهدت مذابح للمدنيين، وتدمير للمدارس والمستشفيات، ولجوء جماعي إلى السودان المجاورز
وكان قد تحالف جيش تحرير أورومو، العام الماضي، مع جبهة تحرير شعب تيغراي، التي كانت تخوض حرباً مع القوات الفدرالية، في شمال إثيوبيا، منذ تشرين الثاني 2020.
وقد دمرت الحرب الاقتصاد الإثيوبي، الذي كان يوماً ما، من بين الأسرع نمواً في أفريقيا، والذي كان يكافح بالفعل، حيث لا تزال مساحات شاسعة من البلاد في قبضة جفاف قياسي دمر المزارع والماشية.