/محمد حمية/
لا يكاد ينام المواطن على أزمة حتى يستفيق على كارثة لتقضم ما تبقى من قدرة شرائية لراتب تبخّر على لهيب نار أسعار المحروقات والسلع والمواد الغذائية، حتى أضحى الراتب يساوي صفيحتين بنزين وقد يصبح صفيحة واحدة إن قرر مصرف لبنان “دولرة” البنزين، أي رفع البنك المركزي الدعم عن صفيحة البنزين.
كيف ذلك؟
يغطي مصرف لبنان 85 في المئة من قيمة استيراد المشتقات النفطية من خلال توفير “الفريش” دولار لشركات استيراد المحروقات على سعر منصة صيرفة 24400 ليرة للدولار الواحد ويحصلون على نسبة 15 في المئة المتبقية من السوق السوداء.
إلا أن البنك المركزي أبلغ بعض المسؤولين السياسيين منذ مدة بأنه لم يعد يستطع الاستمرار بدعم البنزين الذي قد يحذو حذو صفيحة المازوت التي تم تسعيرها بالدولار أو بالليرة اللبنانية على السوق السوداء.
وانتشر خلال اليومين الماضيين هذا الخبر كالنار في الهشيم ليحدث صدمة عند المواطنين وبلبلة في سوق المحروقات والأسواق الاقتصادية عموماً، نظراً لارتباط مختلف القطاعات والمواد الغذائية والخدمات والنقل وغيرها بالمحروقات لا سيما بمادتي البنزين والمازوت الحيويتين.
وفور شيوع الخبر، تهافت المواطنون كالعادة الى محطات الوقود للتزود بالبنزين قبل أن يختفي من الأسواق لتعود طوابير الذل مجدداً، فيما كانت المحطات أسرع وأقفلت أبوابها للحفاظ على الكميات التي تملكها بانتظار صدور جدول أسعار جديد لتحقيق أرباح اضافية.
فهل يرفع الدعم عن البنزين؟
وفق معلومات “الجريدة” فإن البنك المركزي استنزف جزءاً هاماً من احتياطاته بتغطية التعميم رقم 161 بعشرات ملايين الدولارات يومياً، وهذا ما دفعه منذ أيام قليلة الى تخفيض سقف الحصول على الدولار وفق سعر المنصة الى 5000 دولار فقط، ولذلك لم يعد يستطع الاستمرار بدعم صفيحة البنزين.
ويبدو أن مصرف لبنان يقوم بإلهاء المواطنين بمنصة صيرفة باستبدال أموالهم بالليرة اللبنانية بالدولار وفق سعر صرف 24400 ليرة، بينما يعمل “المصرف” في الخفاء على رفع سعر صفيحة البنزين تدريجياً. ما يعني أن كمية الدولارات التي ضخها سلامة في السوق بيده الأولى لتفعيل التعميم 161، عاد وأخذها باليد الثانية عبر عائدات المحروقات.
كل شيئ يصدق عن مصرف لبنان.. فكل الأخبار التي كانت مجرد إشاعات منذ فترة، أصبحت قرارات نافذة اليوم، كرفع الدعم عن المحروقات عموماً والكثير من المواد الغذائية والادوية والاستشفاء وغيرها، ومن يتجرأ على رفع الدعم عن الأدوية والمازوت فلماذا لا يفعلها ويرفعه عن البنزين؟ علماً أن قرار رفع الدعم عن المحروقات يحتاج إلى مجلس وزراء ولا يمكن للمركزي أن ينفرد به.
في المقابل استبعدت مصادر نفطية أن يلجأ الحاكم رياض سلامة الى هكذا قرار، لأنه سيدفع أصحاب المحطات الى اقفال أبواب محطاتهم ورفع خراطيمها لصعوبة الحصول على الدولارات فضلا عن أن أصحاب المحطات يرفضون الجعالات الحالية.
وكشفت المصادر عن اتصالات مكثفة بين وزارة الطاقة وشركات الاستيراد ومصرف لبنان للتوصل الى اتفاق على حل للأزمة، ومن الحلول أن يخفض مصرف لبنان نسبة الدعم من 85 في المئة الى 50 في المئة. وتوقعت أن تذهب الأزمة الى الحل خلال الأسبوع الجاري، كاشفة أن باخرة نفط بدأت بإفراغ حمولتها في خزّانات الشركات المستوردة للنفط أمس، وأكدت مصادر الشركات أنها ستبدأ بالتوزيع منذ اليوم.
لكن في كافة الأحوال لن يستمر مصرف لبنان بنسبة الدعم الحالية للبنزين بسبب استنزاف احتياطاته، ما يعني أن المصرف المركزي سيبدأ برفع الدعم تدريجياً عن البنزين، ما سيدفع التجار ومستوردي المحروقات للذهاب إلى السوق السوداء لتأمين حاجاتهم من الدولارت لشراء المحروقات، ما سيرفع بالتالي الطلب على الدولار في السوق الموازية وارتفاع سعر صرف الدولار الى 35 ألف ليرة ما يعني ارتفاع سعر صفيحة البنزين الى حوالي مليون ليرة.
القرار الخطير يُنذر بعواقب وخيمة وتداعيات كبيرة جداً على الاقتصاد اللبناني وعلى المواطن الذي اكتوى بلهيب الأسعار، إذ باتت صفيحة البنزين تساوي الحد الأدنى للأجور، ما يعني سحق فئة الحد الادنى للأجور، وزيادة شريحة الفقراء فقراً، وانزلاق طبقة متوسطي الحال الى مربع الفقر.
مصادر اقتصادية تشير الى أن 15 في المئة من اللبنانيين سيُسحقون ولن يكون بمقدورهم شراء المحروقات ولا التنقل ولا حتى شراء الحاجيات الأساسية كالطعام والشراب، فضلا عن الطبابة والاستشفاء والادوية التي سيرتفع اسعارها بشكل جنوني وتصبح حكراً على طبقة الميسورين من السياسيين وأصحاب المصارف ورؤوس الأموال وكبار الموظفين، اضافة الى ارتفاع كلفة النقل والمطاعم وكافة أنواع الخدمات من الاتصالات والأنترنت واشتراك المولدات الخاصة، ما سيدفع مختلف القطاعات الى الدولرة، الأمر الذي سيؤدي الى انفجار اجتماعي لن تستطع مسكنات الحكومة ولا “أرانب” وتعاميم حاكم المركزي باحتواء تداعياته.
وتربط مصادر سياسية بين تلويح المركزي برفع الدعم عن البنزين بحدثين: الأول تفعيل الملاحقة القضائية لسلامة عبر المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، والثاني انطلاق قطار تأليف الحكومة الذي سيحتاج الى آليات وأدوات ضغط في مفاوضات التشكيل بين اللاعبين السياسيين.