ليس عادياً أن يحتفل “حزب الله” بذكرى تأسيسه.
في مراجعة سريعة، لم يعثر في الأرشيف على أي احتفال بذكرى تأسيس “حزب الله”. هناك فائض من المناسبات التي يحتفل بها الحزب، أو تشكّل محطة تاريخية بالنسبة له. لكن أبرز تلك المحطات التي تتكرّر سنوياً، هي تلك المرتبطة بشهداء الحزب والجرحى، أو تلك المرتبطة بتطوير المؤسسات التي بناها على مدى 40 عاماً.
لطالما احتفلت المقاومة الوطنية بذكرى انطلاقتها، لكن بالنسبة إلى “حزب المقاومة” فإن الذاكرة لم تستطع نبش احتفال. ربما لأن الحزب كان غارقاً على مدى 40 سنة في العمل العسكري الذي كان يتقدّم عنده دائماً، لتحرير لبنان في الـ18 سنة الأولى من عمره، حين احتفل بالتحرير في العام 2000، تلك المحطة التي شكّلت انتقالاً لحزب المقاومة من “جيل” إلى “جيل”، وإن كان “بالغاً” في “الجيل الأول”، ولم يعرف “المراهقة” في “الجيل الثاني”، بسبب الانقضاض على انتصاره، ومحاولة منعه من استثمار التحرير الذي تحقّق بتضحياته الجسام وتصميمه العنيد وتخطيطه المدروس، بعد أن استقبله اللبنانيون، في كل المناطق ومن كل الطوائف والمذاهب، بالأرز وماء الزهر والورد، وزغاريد النسوة التي كانت تترجم عرس انتصار المقاومة في لبنان على العدو الذي “كان لا يُقهر”.
استُدرج “حزب الله”، مرغماً، إلى السلطة التي لطالما تعفّف عن الدخول إليها. كان ذلك نقطة تحوّل كبرى في مسار “حزب المقاومة”، وحاول ارتداء بذلة مدنية، لكن باطنه كان مهجوساً بكيفية حماية انتصار العام 2000، وبكيفية تحرير الأسرى اللبنانيين وما تبقّى محتلاً من أرض لبنان ومياهه.
بعد 5 سنوات على انتصار العام 2000، أي في العام 2005، حصل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. كان ذلك الاغتيال زلزالاً زعزع الوطن، خصوصاً أن الاتهامات التي صدرت منذ لحظة الاغتيال كان واضحاً أنها في سياق خطة استراتيجية صيغت بحمم بركان الاغتيال. وبعد سنة واحدة فقط، انقض العدو الإسرائيلي على لبنان، معتقداً أن اللحظة أصبحت مناسبة للقضاء على الحزب الذي هزم “إسرائيل التي لا تُقهر”!، وبدعم دولي وعربي غير مسبوق. لم تستطع “إسرائيل”، ومعها حلفاؤها، “التخلّص” من “حزب المقاومة”. ومنذ ذلك الحين، تتبدّل الخطط والتكتيكات والاستراتيجيات، بهدف واحد: وضع حدّ لحياة “حزب الله”.. لكن الحزب استمر، وتمدّد في المنطقة، واصبح لاعباً عسكرياً وسياسياً يمسك أوراقاً خارج لبنان، وصار التخلّص منه أكثر تعقيداً.
بعد هذه المسيرة المحفوفة بمحاولات “إنهاء حياة حزب المقاومة”، قرّر “حزب الله” الاحتفال بـ”النضوج”، وكأنه ما زال في بداياته، خصوصاً أن الأجيال التي تنضوي في صفوف الحزب، تمنحه مزيداً من الشباب، وتمنع عنه الكهولة، وإن كان “الشيب” قد ضرب رأس الحزب وجعله أكثر عمقاً ونضوجاً في السياسة، بعد أن نجح في “الخدمة العسكرية” التي تطوّع لها منذ العام 1982.
هذه الخلاصة تحديداً، عبّر عنها مسؤول العلاقات الإعلامية في “حزب الله” الحاج محمد عفيف، الذي نجح على مدى السنوات الماضية، في نسج خيوط علاقات مع كل الإعلام اللبناني والعربي والدولي، حليفاً كان أم خصماً، محاوراً له، ومصححاً الكثير من الانطباعات المشوّهة المنسوخة عن صورته.
ربما لذلك كان حشد الإعلام الحاضر في قاعة “رسالات” في الضاحية الجنوبية، أقرب إلى مهرجان منه إلى مؤتمر صحافي، حيث أطلق محمد عفيف فعاليات احتفالية الأربعين عامًا تحت شعار “أربعون ربيعًا”.
وأعلن عفيف عن إطلاق سلسلة من الأنشطة والفعاليات الاحتفالية إيذاناً بالأربعين ربيعاً على مدى شهرين كاملين من 20 حزيران إلى 20 آب تشمل مناطق وقطاعات عمل “حزب الله” وعبر المؤسسات الإعلامية والثقافية المتنوعة، ومنها “المنار” و”النور” وموقع “العهد” الالكتروني وبيان الملف الإعلامي الذي تأسس حديثاً وذلك بمختلف الأشكال الفنية والإخبارية المتنوعة.
كما أطلق شعار ولوغو الاحتفالات المصَمَّم خصيصاً لهذه المناسبة من قبل الفنيين في وحدة الأنشطة الإعلامية. على ان تختتم تلك الفعاليات بمهرجان كبير في بيروت والمناطق يتحدث فيه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، ويشكل ذروة النشاطات ويتزامن مع الذكرى السادسة عشرة لانتهاء حرب تموز والذكرى الخامسة لحرب التحرير الثانية.
وأشار عفيف في كلمته إلى أنه “في مثل هذه الأيام من حزيران العام 1982 أي قبل أربعين عاماً، اجتاحت قوات العدو الصهيوني بلدنا، احتلت جزءاً كبيراً من أرضه بما فيها عاصمته بيروت، ودمرت المباني السكنية والبنية التحتية، وقتلت الآلاف وهجّرت عشرات الآلاف”.
واستذكر محطة “مغادرة غادرت قوات منظمة التحرير الفلسطينية لبنان، وانسحبت القوات السورية بعد معارك بطولية في السلطان يعقوب وغيره، فيما اكتفت قوات الطوارئ الدولية بمراقبة المشهد وتسجيل عدد الآليات الإسرائيلية التي تعبر الحدود الفلسطينية باتجاه الشمال، وتُرك لبنان وشعبه لقدرهما تحت جحيم الاحتلال وقبضته الغليظة”.
ولفت الى أن “اللبنانيين انقسموا، على جاري عادتهم، في المواقف المصيرية حول الموقف من الاحتلال، رفع البعض المناديل البيضاء ونثروا الأرز على الدبابات، ورحّب البعض بالقوات الغازية وتعاملوا معها كالقوات المحرِّرة”، مشيرا الى أن “البعض شارك في عملياتها العسكرية ضد أبناء شعبهم ووطنهم، وما مجزرة صبرا وشاتيلا المهولة إلا مثالٌ واحدٌ على حقيقة الأحداث ووقائع تلك الأيام، فيما لاذ الكثير من اللبنانيين بالصمت والانكفاء ومراقبة الأحداث ومجريات الأمور”.
وسأل: “من كان يظن أن مقاومتنا التي انطلقت من وسط الركام قليلة العدد مهيضة الجناح دون احتضان شعبي وتأييد سياسي هي اليوم مسيرة مظفرة بمئات الآلاف من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال. من كان يظن ذلك ممكناً؟ من كان يظن أن مقاومتنا التي انطلقت ومنذ الرصاصات الأولى، بعدد قليل ومتواضع من المقاتلين وعدة بسيطة من السلاح هي اليوم مئة ألف مقاتل ويزيدون، تردع عدونا وتحمي شعبنا وتوفر الملاذ الآمن للحياة والمجتمع والاقتصاد وتحمي ثروة بلدنا في البر والبحر”.
وأضاف: “من كان يظن أن هزيمة العدو ممكنة؟ وأن الجيش الذي لا يقهر تحول إلى كيس ملاكمة يتسابق جنوده على الهروب من الخدمة في لبنان، ويتنافس ضباطه على تبريرات الهزيمة، وأن الجيش الذي هزم في لبنان عام 2000 يمكن أن يهزم مرة أخرى عام 2006، ويهزم في غزة عام 2008 ويمكن أن يهزم في أي أرض عربية محتلة متى توفرت الإرادة والعزيمة الصادقة؟ من كان يظن ذلك ممكناً”.
وأشار الى أن “حزب المقاومة الذي انطلق بخبرات فردية محدودة وإمكانات مالية متواضعة، هو اليوم مؤسسات وصروح، تربوية وصحية وتعليمية وإعلامية ومدارس وجامعات وعشرات الآلاف من حاملي الشهادات الجامعية من مختلف الاختصاصات، وكتلة نيابية وازنة ودور سياسي رصين ومتقدم عما سواه، في نهضة لا سابق لها من حيث الدور والوظيفة لحزب وحركة مقاومة لا في تاريخ بلدنا وحسب بل في التاريخ العربي الحديث”.
وقال عفيف: “لسنا اليوم بصدد وثيقة سياسية موجودة بالفعل، يجري العمل على تنقيحها وتطويرها بتأنٍ وهدوء، تتضمن رؤيتنا إلى بلدنا ومستقبله، وإلى دورنا فيه وفي الدفاع عنه، وإلى تحالفاتنا المحلية والإقليمية، وإلى رؤيتنا إلى مآلات الصراع في المنطقة وعليها، كما أننا لا نجد اليوم حاجة لتكرار مواقفنا الثابتة والمعروفة في مواجهة الاحتلال ورعاته وأدواته، وفي تأييدنا التام للشعب الفلسطيني في حقه في استعادة أرضه كاملة من البحر إلى النهر بالوسائل المتاحة كافة، وفي الطليعة منها مقاومته الباسلة”.
ولفت الى أن “الحزب يتجنب اليوم الرد على الحملات الإعلامية والسياسية التي رافقت مسيرتنا طوال أربعين عاماً، والتي قامت بها دولٌ ومنظماتٌ ومؤسساتٌ وأفرادٌ وأنفق فيها الكثير من المال والتي هدفت إلى التشكيك بهويتنا وانتمائنا الوطني، فضلاً عن إلصاق التهم والافتراءات زوراً وبهتانا”.