هل الشرق الأوسط على أبواب “الحرب الكبرى”؟

الوحش اليومي

نيري زيلبر (*)

خرجت الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران عبر الشرق الأوسط من الظل إلى العلن منذ فترة طويلة. ولكن الآن، في ظل العديد من الهجمات الإسرائيلية المشتبه بها داخل إيران نفسها، يهدد الصراع المميت بالتصعيد ـ ربما فيما يتخطى المنطقة.

في الأسبوع الماضي، اقتحمت عدة طائرات بدون طيار رباعية المراوح، منشأة إيرانية مشتبه بها للبحوث النووية والطائرات بدون طيار في بارشين، مما أسفر عن مقتل مهندس. وقبل ذلك ببضعة أيام، اغتال قاتلان على دراجتين ناريتين عقيداً عسكرياً إيرانياً في قلب طهران. وفي شباط/فبراير، أصابت عدة طائرات مسيرة قاعدة إيرانية للطائرات بدون طيار في كرمانشاه في غرب البلاد. وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين لم يتحملوا المسؤولية رسمياً، إلا أن التلميحات المختلفة غير الملحوظة الصادرة عنهم وتقارير وسائل الإعلام لم تترك مجالاً للشك في مصدر هذه الهجمات.

ويشكل كل ذلك جزءاً مما وصفته الحكومة الإسرائيلية، بعد أقل من عام بقليل على توليها سدة الحكم، بـ “مبدأ الأخطبوط”، وهو توسع جديد وخطير لحملتها ضد القدرات العسكرية والنووية الإيرانية. فإذا كانت إسرائيل قد ضربت داخل إيران في السنوات الماضية، فقد فعلت ذلك سراً ـ عادةً من خلال جواسيس وهجمات إلكترونية ـ واستهدفت بشكل شبه دائم العلماء النوويين والمنشآت النووية الإيرانية. وعلى مدى ما يقرب من عقد من الزمن أيضاً، لم تُخفِ إسرائيل حملتها القائمة على الضربات الجوية، داخل سوريا بشكل رئيسي، ضد الميليشيات المتحالفة مع إيران وشحناتها من الأسلحة. ولكن الآن، يتكلم المسؤولون الإسرائيليون بصراحة عن “استراتيجية دفاعية جديدة”، كما عبّر عنها أحدهم لموقع “ذي ديلي بيست” (The Daily Beast)، تستهدف “رأس الأخطبوط” في إيران، وليس فقط “أذرعه” في مختلف أنحاء المنطقة، في دول مثل سوريا ولبنان والعراق، وفي قطاع غزة.

وفي كلمة ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قبل أسبوع، قال: “على مدى سنوات عديدة، نفّذ النظام الإيراني أعمالاً إرهابية ضد إسرائيل والمنطقة عبر وكلائه، ولكن لسبب ما تمتع رأس الأخطبوط ـ إيران نفسها ـ بالحصانة، أما اليوم فقد انتهى عصر حصانة النظام الإيراني”.

ويقيناً، استخدم بينيت للمرة الأولى هذا التشبيه بالأخطبوط الإيراني قبل عدة سنوات، عندما طالب بتبني سياسة أكثر عدوانية. ولكنه اليوم كرئيس وزراء، أصبح في مكانة تخوّله تحقيق التحوّل السياسي، الذي تبناه صناع القرار الإسرائيليون الرئيسيون الآخرون.

وقال المسؤول الإسرائيلي الرفيع المستوى: “لدى الإيرانيين معادلتهم العسكرية القائمة منذ فترة طويلة، والتي قامت بموجبها طهران بالمساعدة في إنشاء مجموعة من الميليشيات والجماعات الإرهابية المتحالفة معها المحيطة بإسرائيل وتزويدها بترسانات وقذائف صاروخية ضخمة، على غرار «حزب الله» في لبنان أو «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة، والحوثيين في اليمن أو جهات شيعية مختلفة تعمل بالوكالة عنها في سوريا والعراق”.

ووفقاً لمسؤول الدفاع الإسرائيلي الذي تحدث إلى “ذي ديلي بيست”، هناك أيضاً خطر متزايد من الطائرات المسيرة الإيرانية التي يمكن أن تخترق الشبكة المعقدة للدفاعات الجوية الإسرائيلية. وأضاف المسؤول: “نحتاج إلى تغيير الوضع لصالحنا، وقطع رأس الأخطبوط. ومن أجل القيام بذلك، وكما يفترض المنطق، يجب تقليص القدرات الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى تنفيذ الهجمات الأخيرة على قواعد الطائرات المسيرة الإيرانية واغتيال العقيد حسن صياد خدايي، أحد قادة فيلق «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني الذي يُعتقد أنه مسؤول عن التخطيط لشن هجمات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية في الخارج. ومن المرجح أن يكون الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للاستراتيجيين الإسرائيليين هو ضرورة إدراك إيران حالياً بأنها ستدفع ثمناً مباشراً لكل هجوم يشنه أحد وكلائها”.

وفي الثلاثين من أيار/مايو، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد: “إذا كان الإيرانيون يعتقدون أنه يمكنهم ترهيبنا في وطننا وأننا لن نرد عليهم في وطنهم، فهم مخطئون. لا تسير الأمور على هذا النحو. لا يُسمح لهم بنشر الإرهاب على حدودنا أو داخل إسرائيل والبقاء محصنين في إيران بينما نواصل التنافس معهم في ساحات ثانوية مثل سوريا أو لبنان”.

إن مخاطر هذا النهج الإسرائيلي الجديد واضحة أساساً. فقد ألقى مسؤولون إيرانيون اللوم على إسرائيل في مقتل خدايي في طهران وتعهدوا بالرد. وفي عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، قال قائد «الحرس الثوري» الإيراني اللواء حسين سلامي: “الشهداء الذين قتلهم الصهاينة هم في مكانة أعلى بكثير. إن شاء الله، سننتقم من الأعداء”.

ووفقاً لبعض التقارير، وُضعت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، بما فيها القبة الحديدية، في حالة تأهب قصوى بسبب خطر الهجمات الصاروخية من لبنان وسوريا. ولن تكون هذه الضربة الأولى من نوعها، حتى لو لم تستهدف مثيلاتها في السابق إسرائيل مباشرةً. ففي شباط/فبراير، بعد تعرض المنشأة الإيرانية الأولى للطائرات المسيرة لهجوم، أطلقت إيران عدة صواريخ على ما قالت إنها قاعدة استخبارات إسرائيلية في «كردستان العراق» تُستخدم لإطلاق الطائرات المسيرة المهاجمة.

وبشكل أكثر تحديداً، وفي الثلاثين من أيار/مايو، “شحذ” «مجلس الأمن القومي» الإسرائيلي تحذيره الحالي من السفر إلى تركيا، مقدّراً أن هناك “مخاطر عالية جداً” و”تهديداً ملموساً” ضد الإسرائيليين من جانب عملاء إيرانيين داخل البلاد. وفي خطوة غير عادية للغاية، وفقاً لبعض التقارير، اتصلت السلطات الإسرائيلية بـ 100 مواطن يُعتقد أنهم أهداف محددة وطلبت منهم العودة إلى إسرائيل. وفي خطوة غير مسبوقة، نشرت وسيلة إعلامية تابعة للنظام الإيراني أسماء خمسة ضباط سابقين في المخابرات العسكرية الإسرائيلية (ومديرين تنفيذيين حاليين في مجال التكنولوجيا) يُزعم أنهم مدرجون في قائمة المستهدفين من قبل طهران.

وفي تحذيره، أضاف «مجلس الأمن القومي» الإسرائيلي: “هناك قلق متزايد في المؤسسة الأمنية بشأن المساعي الإيرانية لمهاجمة أهداف إسرائيلية حول العالم”، مشدداً على الدول الأخرى المحيطة بإيران ورابطاً هذا القلق مباشرةً بتداعيات مقتل العقيد في «الحرس الثوري» الإيراني.

على مدى العقود الثلاثة الماضية، ضربت إيران ـ و«حزب الله» على وجه الخصوص ـ أهدافاً إسرائيلية ويهودية في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وآسيا، من بينها هجومان مدمران بشاحنتين مفخختين في بوينس آيرس في تسعينيات القرن الماضي استهدفا السفارة الإسرائيلية ومركزاً ثقافياً يهودياً، وهجوم تفجيري انتحاري على مصطافين إسرائيليين في بلغاريا في عام 2012، وهجوم في العام ذاته في نيودلهي أسفر عن إصابة دبلوماسي إسرائيلي.

ووفقاً لمسؤولين ومحللين إسرائيليين في شؤون الأمن، يُعتقد الآن أن جميع هذه الأنواع من الأهداف على مستوى العالم هي في مرمى نيران إيران. وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لموقع “ذي ديلي بيست”: “إنهم يبحثون باستمرار عن الفرص، والأهداف التي يعتقدون أنها أكثر ليونة”. ومع هذا، لم يكن ذلك جديداً، كما حرص المسؤول على التأكيد، حتى مع الاستراتيجية الإسرائيلية المشدّدة في الأشهر الأخيرة. وأضاف المسؤول: “لدى إيران قائمة طويلة من المظالم المتصورة، وهناك دائماً خطر الإرهاب والهجمات الأخرى من جانبهم”.

ويتماشى ذلك مع وجهة النظر العامة للحكومة الإسرائيلية بأن مخاطر الهجمات المتكررة على إيران نفسها، واحتمال حدوث عمليات انتقامية إيرانية، يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة. وكما أشار لي أحد كبار مسؤولي الدفاع الإسرائيليين (بشكل غير متوقع) في العام الماضي: “متى كانت المرة الأخيرة التي اندلعت فيها حرب كبرى في الشرق الأوسط؟”. من خلال دحض سمعة المنطقة التي تطبعها آثار المعارك، سلط المسؤول الضوء على الحرب الإسرائيلية اللبنانية في العام 2006 والتي “بدأت كخطأ في التقدير، ولكن بخلاف ذلك، كانت الولايات المتحدة هي التي شنت حربين في العراق”، كما قال. “هناك الكثير من الطرق لتجنب الحرب”.

وكان القادة الإسرائيليون قد قالوا مراراً وتكراراً إنه لن يتم تقييدهم أو إلزامهم بأي اتفاق نووي يتم تجديده بين إيران والولايات المتحدة، والذي تبدو آفاقه غير مؤكدة في الوقت الحالي. بعبارة أخرى، ستستمر “عقيدة الأخطبوط”، بغض النظر عن البرنامج النووي الإيراني الذي يتوسع باطراد، وربما بالتزامن معه. وستكون الثقة الإسرائيلية في ما يتعلق باستبعاد احتمال اندلاع حرب كبرى في الشرق الأوسط على المحك.


(*) نيري زيلبر من “معهد واشنطن”، صحافي مقيم في تل أبيب في فلسطين المحتلة.