/ هبة علّام /
بعيداً عن الأزمة الوجودية المستفحلة في لبنان، واقتراب موعد الارتطام الكبير اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً. خرقت باخرة التنقيب النفطي “إنرجين” اليونانية وجع اللبنانيين، وأنستهم دولارهم المحلق، وأسعارهم الملتهبة، وقدرتهم الشرائية المنعدمة.
دخلت “إنرجين” الخط 29، استعداداً للعمل في حقل “كاريش”، وقلبت معها الأوليات السياسية في لبنان الذي يواجه اليوم قراراً مصيرياً لجهة حدوده البحرية، ومسار المفاوضات حولها، والحفاظ على ثروته النفطية في مياهه.
وكالعادة، دخل هذا الملف بازار المناكفات السياسية، وأصبح الجميع ينتظر الحرب التي على “حزب الله” حصراً إعلانها، بالمقابل شُنّت حملة على رئيس الجمهورية ميشال عون لعدم توقيعه على المرسوم 6433 وتعديله حتى يشمل الخط 29، وبالتالي تُصبح هذه المنطقة لبنانية بالنسبة للبنان.
حُكي عن أسباب كثيرة لعدم التوقيع، ما فتح سجالاً كبيراً في البلد لن يؤدي سوى لمزيد من هدر الوقت بانتظار المفاوض الأميركي، لاسيما وأنّ ملف المفاوضات المتوقف منذ أشهر، يلفّه الكثير من الغموض، بعد تباين الآراء بين الجيش ورئاسة الجمهورية.
أوساط مقرّبة من “التيار الوطني الحرّ”، ذكّرت بأن رئاسة الجمهورية أرسلت رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة وتم تسجيلها، وتشير من خلالها إلى أن حقل “كاريش” يقع ضمن المناطق المتنازع عليها.
وهنا لفتت الأوساط إلى أن هذه الخطوة، وحتى توقيع المرسوم، لن يؤثرا بشيء، لا بل غير أساسي، معتبرة أن العدو الإسرائيلي لن ينسحب من الخط مهما فعل لبنان، لاسيما وأنه سجّل لدى الأمم المتحدة حدوداً مزعومة تبدأ من الخط رقم 1.
وبررّت الأوساط السبب في عدم توقيع المرسوم بعدم جدواه بصورة فعلية، لأن الخط 29 علمي طرحه الرئيس عون كسقف عال خلال المفاوضات حتى يتمكّن لبنان من الحصول على الخط 23 وحقل قانا، إضافة إلى السبب المعروف لجهة حاجته لموافقة كاملة من الحكومة، نظراً لخطورة هذه الخطوة وضرورة أن يكون هناك إجماع وطني عليها.
وأشارت الأوساط إلى أن توقيع المرسوم وتعديله، يعني أن لبنان أصبح ملزماً بفتح معركة عسكرية، كاشفة عن أنه بحسب سير المفاوضات، لا يمكن الحصول على الخط 29 إلا بحرب، الأمر الذي لا يريده أحد في هذه الظروف الصعبة. ولفتت إلى أنّ الهدف اليوم هو إجبار العدو الإسرائيلي على تعديل مرسومه، فهو أصلاً لن يرضخ لأي قرار دولي مهما فعل لبنان، وبالتالي الهدف اليوم هو انتزاع اعتراف إسرائيلي بالخط 23 وحقل قانا، بمعزل عن الخط 29 صعب المنال. لذلك لم يعاد طرح المرسوم على حكومة ميقاتي، ولم يتم توقيعه حتى الآن، على الرغم من كل تلك التطورات.
بالمقابل ردّت أوساط متابعة لملف الترسيم على تبريرات “التيار”، بأن التبليغ لدى الأمم المتحدة غير كاف، وإذا كان الرئيس عون يسعى لحصول لبنان على الخط 23 وحقل قانا، فعليه تثبيت موقف لبنان بالخط 29 وجعله رسمياً ودستورياً بالنسبة للدولة بحدود يراها من حقه، حتى يفاوض من الأعلى إلى الأدنى، وبالتالي يحصل على مراده. أمّا بهذه الطريقة فإن السقف الأعلى للبنان هو الخط 23، وبالتالي فإن هذا الخط في خطر، ما يعني إمكانية حصولنا على ما دونه.
أما فيما يخص موقف “حزب الله”، فلفتت الأوساط إلى أن الجميع سجّل حماسة زائدة وآمالاً من وهم، مشدّدة على عدم تحميل الحزب ما لم يقله. وذكّرت بأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قال ما حرفيته بأن ما تحدده الدولة رسمياً من حدود فإن المقاومة تعمل على أساسه، واليوم لبنان يعمل ضمن الخط 23 لا الخط 29.
كما أن السيد نصر الله لم يقل يوماً أنه سيمنع العدو الإسرائيلي من دخول حقل “كاريش”، إنما قال للسلطة فلتقوموا بتلزيم شركات التنقيب للعمل في البلوكات التي يثبّتها لبنان ضمن حدوده، وفي حال أقدم “الكيان” على أي حماقة فإن المقاومة تتكفّل برد العدوان ووضعه تحت معادلة ردع جديدة تجعله يجمّد كل أعماله العدوانية. وهو أيضاً هدّد بقصف أي منصة لاستخراج الغاز قد تنصّب في مياهنا، ولم يتحدّث عن سفن التنقيب، والفرق شاسع بين “المنصة” و”السفينة”.
إضافة إلى ذلك، تلفت الأوساط إلى أن “حزب الله” مهما كانت الضرورات أمامه، لن يدخل حرباً بهذه الطريقة وبهذا التوقيت الذي ينتظر فيه العدو الإسرائيلي أي ردة فعل من قبل المقاومة، لاسيما وأن أسهل الخيارات أمامه اليوم هي خوض الحرب على أعتاب أكبر مناوراته، في ظل التخبط الداخلي الذي يعيشه في الداخل الفلسطيني المحتلّ. لذلك فإن “حزب الله” لا يقاتل إلا بتوقيته، وكل محاولات جرّه إلى معركة بغير توقيته لن تفلح، لأنه لا يسير وفق المزايدات و”العنتريات” والعواطف، ولا يعطي خصوم الداخل أوراقاً رابحة “ببلاش”.