كشف تحقيق استقصائي موسع لصحيفة “نيويورك تايمز” عن واحدة من أكثر عمليات التجسس سرية وخطورة في حقبة الحرب الباردة، حين تعاونت الولايات المتحدة والهند لنشر محطة تنصت نووية على قمة جبل “ناندا ديفي” في الهيمالايا، بهدف مراقبة البرنامج الصاروخي والنووي الصيني.
وجاءت عملية “ناندا ديفي” السرية التي نُفِّذت في عام 1965، في سياق قلق أميركي عميق من تسارع التسلح النووي الصيني، وعجز واشنطن وحلفائها عن اختراق الصين استخباراتي.
واعتمد نجاح العملية على عنصر حيوي واحد، هو نصب مولّد نووي محمول يزن 50 رطلاً وبحجم كرة شاطئية في أعلى قمة الجبل.
وكان هذا الجهاز ضرورياً لضمان استمرار عمل محطة التجسس في الظروف القاسية على مدى فترات طويلة، وقد احتوى على ما يقدر بثلث كمية “البلوتونيوم” المستخدمة في القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة ناغازاكي اليابانية.
ولكي يتمكن الفريق من إخفاء طبيعة مهمتهم، تم اختلاق قصة معقدة برعاية باري بيشوب مصور مجلة “ناشيونال جيوغرافيك”، حيث تم التظاهر بأن مهمة البعثة علمية بحتة تهدف لدراسة فيزياء الغلاف الجوي.
كان بيشوب قد حدّث الجنرال كورتيس ليماي رئيس القوات الجوية الأميركية، وأحد الصقور خلال الحرب الباردة، وأحد مهندسي إستراتيجية الأسلحة النووية الأميركية، عن المناظر التي توفرها قمم جبال الهيمالايا لمئات الأميال وصولاً إلى أعماق التبت والصين، ويبدو أن هذا الحديث قد أثار تفكير الجنرال لتتبلور فكرة عملية “ناندا ديفي” السرية.
غير أن تشغيل أجهزة المراقبة في بيئة معزولة كهذه تطلّب مصدر طاقة غير تقليدي، فوقع الاختيار على مولّد نووي محمول يعمل بالبلوتونيوم.
وتطلبت هذه المهمة، التي أقدمت عليها وكالة التجسس الأميركية بالتعاون مع الاستخبارات الهندية، أقصى درجات السرية.
فقد كانت الولايات المتحدة والهند تشعران بقلق متزايد إزاء القوة النووية المتنامية للصين، التي فجّرت قنبلتها الذرية الأولى في تشرين الأول 1964.
ورغم تحذيرات متكررة من صعوبة المهمة وخطورة الجبل، فإن العملية مضت قدماً وسط قدر كبير من الاستهانة بالتضاريس والطقس.
وفي 16 تشرين الأول 1965، حاول الفريق نقل المعدات الثقيلة، بما فيها المولد النووي الذي احتوى على 7 كبسولات من البلوتونيوم الشديد السمية، إلى القمة.
لكنّ عاصفة ثلجية والإرهاق وأعراض داء المرتفعات، عوامل أجبرت المتسلقين على التراجع قبل تثبيت المحطة.
واتُخذ قرار مصيري بترك المولد مؤقتاً قرب نهر جليدي، مثبَّتا بسلاسل، على أمل استعادته في الموسم التالي.
وعندما عاد الفريق في ربيع عام 1966 فوجئ باختفاء المولد بالكامل، ويُرجّح أن انهياراً جليدياً جرفه إلى أعماق الجليد أو إلى شبكة المياه الذائبة التي تغذي روافد نهر الغانغ.
ومثّل اختفاء المولد كابوساً أمنياً وبيئياً نظراً لاحتوائه على مادة “بلوتونيوم” قادرة على التسبب في تلوث إشعاعي خطير أو استغلالها في تصنيع قنبلة قذرة.
وأثار ذلك ذعراً صامتاً داخل الحكومتين الأميركية والهندية، مما دفعهما إلى إطلاق عمليات بحث سرية واسعة، شارك فيها الجيش ومتسلقون وخبراء إشعاع، لكنها فشلت جميعاً بسبب طبيعة الجبل المتحركة والانهيارات المستمرة.
وفي ظل المخاطر الدبلوماسية الجسيمة، فُرض تعتيم كامل على القضية، وصُنّفت الوثائق، ومُنع المشاركون من الحديث، في حين أُغلقت المنطقة المحيطة “بناندا ديفي” لسنوات طويلة تحت ذرائع بيئية.
وعلى الرغم من الفشل، استمر التعاون بين وكالتي الاستخبارات الأميركية والهندية لتثبيت جهاز تجسس آخر يعمل بالوقود المشع على جبل أقل ارتفاعاً، لكنه واجه مشاكل مماثلة حيث غاص هو أيضاً في الجليد.
وظل أمر المولد النووي سراً لأكثر من عقد، حتى كشف عنه المراسل هوارد كون في عام 1978.
وأثار الكشف ضجة دولية في الهند، حيث استدعت حكومة نيودلهي السفير الأميركي وخرجت مظاهرات تندد.














