كتبت “الجمهورية”:
مع بدء المفاوضات في ملف الحدود البحرية، في الناقورة، في تشرين الأول 2020؛ كان مثيراً أن يرفض الإسرائيليون الخط 23، ويطالبوا بالتوغّل أكثر في اتجاه المياه البحرية اللبنانية. وجاء الموفد الأميركي فريديريك هوف ليبتكر خطاً وسطياً، يمنح لبنان قرابة ثلثي المساحة التي يطالب بها، والبالغة نحو 860 كلم2، مقابل الثلث لـ”إسرائيل”.
لكن قواعد التفاوض انقلبت رأساً على عقب، عندما قدّم الجيش اللبناني خرائط تثبت أنّ الحدود اللبنانية البحرية تصل إلى النقطة 29، أي أنّها تشمل ما يقارب نصف حقل “كاريش”. وهو أمر دفع الإسرائيليين إلى الردّ بتوسيع دائرة مطالبهم اعتباطياً إلى النقطة 1 المقابلة لصيدا. وهنا، صارت المفاوضات غير واقعية وتوقفت.
الخرق الجديد جاء به الأميركيون مرَّة أخرى، إذ انتقلوا من طرح هوف إلى الطرح الذي تقدَّم به الموفد الحالي عاموس هوكشتاين، ويقضي بترسيم خطّ متعرّج يقع بين الخطين 23 و29، يعطي إسرائيل حقل “كاريش” بكامله ويمنح لبنان حقل “قانا” بكامله.
على الأرجح، لن تكون للبنان فرصة أفضل من المقايضة المعروضة حالياً: “كاريش” مقابل “قانا”. ويوحي سلوك قوى السلطة بأنّها كلها موافقة على هذا الطرح، بدءاً برئيس الجمهورية ميشال عون.
ثمة سببان يدفعان لبنان الرسمي إلى القبول بالمقايضة:
1- هي أفضل عرض يمكن الحصول عليه واقعياً، ومن شأنه أن يتيح للبنان المباشرة في استثمار طاقته النفطية بدءاً من البلوكات الجنوبية، بتشجيع ودعم إقليمي ودولي، وسط مستقبل ستظهر فيه حاجة العالم القصوى إلى غاز الشرق الأوسط، وحاجة لبنان الماسّة إلى الإفادة من موارده الطبيعية الكامنة في عملية النهوض.
2- في أي مواجهة سيقرِّر لبنان خوضها مع إسرائيل في ملف الطاقة الغازية في المتوسط، سيجد نفسه معزولاً، وسيكتشف أنّه لا يتحدّى إسرائيل وحدها بل العرب جميعاً، ولاسيما مصر والأردن والخليجيين، ومعهم أصدقاءَه في العالم كفرنسا والولايات المتحدة. فجميع هؤلاء لهم مصلحة في إنهاء أزمة الحدود وبدء استخراج الغاز، وشركاتُهم تنتظر إشارة الانطلاق.