الجمعة, ديسمبر 5, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةشريط الاحداثمحاولة مُكرّرة لإنعاش المفاوضات | دمشق - "تل أبيب": الاتفاق أولوية أميركية

محاولة مُكرّرة لإنعاش المفاوضات | دمشق – “تل أبيب”: الاتفاق أولوية أميركية

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| يحيى دبوق |

يبدو أنّ الاتفاق الأمني بين إسرائيل وسوريا، الذي كاد يُوقَّع، في أيلول الماضي، لولا تعثُّره في اللحظات الأخيرة، يشهد دُفعةً جديدة، يمكن عزوها إلى الضغوط الأميركية، والوساطة الديبلوماسية المكثّفة من جانب إدارة دونالد ترامب. فبعد فشل المفاوضات على خلفية إصرار إسرائيل على شروط اعتبرها الجانب السوري غير مقبولة، وأبرزها الاحتفاظ بوجود دائم في جبل الشيخ والمطالبة بإنشاء ممرّ إنساني في الجنوب السوري وغيرهما، عادت واشنطن لتبذل جهداً ديبلوماسيّاً لاستئناف المفاوضات، والضغط على تل أبيب لتليين موقفها، ودفعها في اتّجاه تفاهم أمني مع دمشق.

وتُعدّ تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأخيرة مؤشّراً حاسماً في هذا الاتّجاه، إذ دعا إسرائيل صراحةً إلى «الحفاظ على حوار قويّ وصادق مع سوريا»، وعدم عرقلة مسار الانتقال السياسي هناك. وتندرج هذه الدعوة في إطار رؤية استراتيجية أوسع تهدف أميركا من ورائها إلى إدماج سوريا الجديدة ضمن المحور الذي تقوده، باعتبار ذلك مدخلاً لإعادة ترتيب الأمن الإقليمي، وفق ما تقتضيه مصالحها.

من جهتها، فإنّ تل أبيب، التي راهنت على هشاشة النظام السوري الجديد، كما على إمكان أن تتخلّى واشنطن أو تؤجّل مشاريعها هناك، تجد نفسها، اليوم، أمام استحقاق أكثر جدّية؛ إذ بات عليها أن تبلور موقفاً إيجابيّاً من التفاوض – وفقاً للرغبة الأميركية -، رغم أنّ المؤسسة الأمنية في إسرائيل، لا تزال تشكّك في قدرة الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، على فرض سيطرته الكاملة على بلاده، وخاصة الجنوب، في ظلّ غياب جيش موحّد وتنازُع الفصائل المسلّحة على النفوذ. كذلك، فإنّ هناك أصواتاً داخلية نافذة، لا ترى في الاتفاق سوى تهديد للأمن القومي الإسرائيلي، في حين تذهب أخرى إلى رفضه من منطلق تناقضه مع أيديولوجياتها التوسّعية الدينية.

أمّا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، فعاد قبل أيام إلى التشديد على السقوف العالية التي يتبنّاها، ومن بينها: منطقة منزوعة السلاح من الحدود في جبل الشيخ إلى العاصمة السورية دمشق، في مقابل إمكان تخلّي إسرائيل عن وجودها العسكري المباشر، وتوغّلاتها المستمرّة.

على أنّ واشنطن لم تَعُد تطلب التفاهم السوري – الإسرائيلي، وتتمنّى على تل أبيب التجاوب مع دمشق فحسب، بل هي تعمل فعليّاً على «حلحلة» العقد بين الطرفين عبر وفودها المتجوّلة في الإقليم، فيما تواصل بشكل ملحوظ دعم الشرع سياسيّاً وديبلوماسيّاً و- على ما يبدو – اقتصاديّاً أيضاً، كمقدّمة لتثبيت شريك يمكن الاعتماد عليه في استراتيجيّتها الأوسع للإقليم. وعلى هذه الخلفية، يُتوقّع أن تبدأ إسرائيل، ولو مضطرّة، إعادة النظر في سقوف مطالبها، التي لن تتخلّى عنها على أيّ حال من دون مقابل.

فرغم دعمها للشرع، أبدت إدارة ترامب، تفهُّماً لـ«مخاوف إسرائيل الأمنية»، وشدّدت على أنّ أيّ اتفاق يجب أن يراعي تلك المخاوف، ما يعني أنّ واشنطن فتحت مساراً لبلورة صيغة تسووية بينها وبين تل أبيب، وأيضاً مع الطرف الثالث، الشرع؛ وهي صيغة تشمل انسحاباً إسرائيلياً مرحلياً ومحدوداً، في مقابل ضمانات أمنية أميركية، متمثّلة بوجود أميركي مباشر في دمشق نفسها. ومن هنا، فإنّ تحوّل الاتفاق الأمني إلى ركن رئيس في الاستراتيجية الأميركية للمنطقة، قد يكون من شأنه تقليل هامش المناورة لدى تل أبيب، وإنْ كان لا يلغي قدرتها على طلب التعديلات.

وأيّاً يكن، فإنّ التقارب بين تل أبيب ودمشق، الذي يمثّل انعطافة تاريخية، ستظلّ طبيعته – على الأرجح – وظيفية وواقعية، لا أيديولوجية أو تطبيعية بالمعنى الكامل. إذ لا يبدو أنّ انضمام سوريا إلى «اتفاقات أبراهام» وارد في الأفق المنظور، لا من منظور القيادة الجديدة التي تسعى إلى تمتين شرعية داخلية قائمة على الخطاب الوطني – و«الديني» مع الفصائل المسلّحة المتشدّدة -، ولا من منظور إسرائيل التي لا تزال تنظر إلى دمشق بتردّد وتشكيك، وليس كشريك استراتيجي.

مع ذلك، يبقى الترتيب الأمني مقدّمة ضرورية ولازمة لأيّ تطبيع مستقبلي؛ إذ يمثّل، في عمقه، خطوة أبعد من مجرّد وقف عداء، كونه يفتح الباب أمام تفاهمات غير مسبوقة تتعلّق بالأمن الإقليمي الذي يراد بناؤه وفقاً لمصالح أميركا وأتباعها، وإنْ كان يسمح ببقاء النظام السوري الجديد قائماً، بغضّ النظر عن تشكيك إسرائيل فيه. غير أنّ ما يُشتغل على بنائه بين تل أبيب ودمشق، برعاية أميركية مباشرة، يُمثّل مصدر إفادة كبيرة لمصالح إسرائيل «الدولة» ومشروعها وأطماعها، تفوق بمفاعيلها ما بني في القرن الماضي – على أهميّته أيضاً – مع عواصم عربية تحت سقوف التسوية التقليدية.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img