| ناديا الحلاق |
في كل عام، يموت آلاف النساء حول العالم بسبب سرطان عنق الرحم، وهو مرض كان بالإمكان الوقاية منه في كثير من الحالات عبر لقاح بسيط وآمن. لقاح HPV، الذي يحمي من فيروس الورم الحليمي البشري، أصبح اليوم أداة رئيسية للوقاية من هذا المرض القاتل، خصوصاً عند الفتيات قبل بلوغ سن التعرض للفيروس.
فيروس الورم الحليمي البشري، المعروف اختصارًا بـHPV، هو فيروس شائع يصيب الجلد والأغشية المخاطية، وينتقل غالباً عبر الاتصال الجنسي. يتضمن هذا الفيروس أكثر من مئة نوع، بعضها يسبب ثآليل جلدية بسيطة، بينما البعض الآخر مرتبط بارتفاع خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم، وأحيانًا أنواع أخرى من السرطانات لدى الرجال والنساء. يُعتبر HPV السبب الرئيس وراء معظم حالات سرطان عنق الرحم، ما يجعل الوقاية منه عبر التطعيم خطوة أساسية للحفاظ على الصحة وحماية الأجيال القادمة.
وتشير التوصيات الطبية العالمية إلى أن العمر الأنسب لتلقّي لقاح HPV يكون بين 9 و14 عاماً، حيث تكون الاستجابة المناعية أقوى ويكفي في معظم الحالات جرعتان فقط. أما إذا تأخر التطعيم إلى ما بعد هذا العمر، فيُنصح بإعطاء ثلاث جرعات لضمان المستوى نفسه من الحماية. ويؤكد الأطباء أن التطعيم قبل أي احتمال للتعرض للفيروس هو ما يضمن الفاعلية القصوى، ويمنح الفتاة حماية طويلة الأمد ضد أخطر أنواع الفيروس المسببة للسرطان.
قصص شخصية تضع هذه الوقاية في بؤرة الحياة الواقعية. مثل قصة سمر، الشابة التي فقدت والدتها بسبب سرطان عنق الرحم.
سنوات الألم والمعاناة التي شاهدتها مع والدتها، والأيام الأخيرة التي كانت تراها تكافح المرض بلا توقف، تركت أثراً عميقاً في حياتها. تقول سمر بصوت مختلط بالحزن والعزم لموقع “الجريدة”: “لم أستطع فعل شيء لإنقاذ أمي، لكن لا أريد أن تمر ابنتي بما مرّت به والدتي.
لذلك أصرّ على أن تحصل على لقاح HPV فور بلوغها السن المناسب”. هذه الكلمات تعكس ألماً شخصياً، لكنها أيضاً دعوة صريحة للوعي بالوقاية، لتفادي ما يمكن أن يكون مأساة يمكن منعها.
الأطباء يؤكدون أن التطعيم المبكر هو السبيل الأكثر فعالية للوقاية من فيروس HPV، وهو يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم والأورام المرتبطة بالفيروس. وبحسب الأطباء: “اللقاح آمن وفعّال، وآثاره الجانبية غالباً ما تكون طفيفة ومؤقتة، مثل ألم موضعي أو ارتفاع حرارة خفيف، مقارنة بالمأساة التي قد يسببها المرض. التطعيم قبل أي تعرض للفيروس يمنح حماية أكبر، ويضع الفتاة على مسار آمن بعيدًا عن الخطر المحتمل”.
ورغم وضوح الفوائد، ما زال بعض الأهل مترددين في اتخاذ قرار التطعيم. الأسباب متعددة، منها نقص المعلومات الدقيقة حول مخاطر فيروس HPV وفعالية اللقاح، أو انتشار الشائعات غير الصحيحة حول السلامة والخصوبة، وكذلك بعض الاعتبارات الثقافية والاجتماعية التي تجعلهم يترددون في تطعيم الفتيات في سن مبكرة، رغم أن اللقاح لا يؤثر على النشاط الجنسي. هذه المخاوف، يقول الأطباء، لا أساس لها علمياً، ويؤكدون أن التطعيم المبكر هو الطريقة الأكثر أمانًا وفعالية لحماية الفتيات من المرض.
اللقاح لا يحمي الفتاة فقط، بل يساهم في الحد من انتشار الفيروس بين الرجال والنساء على حد سواء، ليصبح المجتمع بأكمله أكثر أمانًا. كل طفلة تحصل على التطعيم هي خطوة نحو مجتمع أقل عرضة للسرطان وأقل معاناة من الأمراض التي يمكن الوقاية منها.
قصص مثل قصة سمر، التي أرادت حماية ابنتها بعد فقدان والدتها، تؤكد أن الوقاية ممكنة وأن اللقاح هو الأداة الأكثر فعالية لتحقيق ذلك. إن اتخاذ خطوة بسيطة اليوم، كالتطعيم ضد HPV، يمكن أن يغيّر حياة كاملة غدًا، ويمنح الأجيال القادمة فرصة لحياة صحية بعيدة عن الخوف من سرطان عنق الرحم.
لقاح HPV ليس مجرد إجراء طبي، بل رسالة أمل وحماية، فرصة لتعويض ما فُقد ولمنح الجيل القادم حياة خالية من الألم والخسارة. الوقاية ممكنة، والوعي المبكر باللقاح هو السبيل لضمان أن ما حدث مع إحدى الأمهات لن يتكرر مع أي فتاة.














