تكشف رسائل البريد الإلكتروني التي كُشف عنها مؤخراً، ضمن ملفات الملياردير الأميركي الراحل جيفري إبستين، عن عالم نفوذ واسع ومتشابك يربط بين النخب السياسية والمالية والأكاديمية والإعلامية في الولايات المتحدة، ويعيد طرح سؤال جوهري: كيف تمكن رجل أُدين بجرائم جنسية عام 2008 من العودة إلى قلب دائرة السلطة؟
ووفق تحليل نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” للكاتب أناند غريداراداس، تظهر آلاف الرسائل صورة “طبقة نخبوية” عابرة للمؤسسات، سمحت لإبستين بالعودة إلى المشهد، ووفرت له حماية غير مباشرة عبر شبكات المصالح المتداخلة.
الرسائل المسرّبة تضمنت أسماء شخصيات بارزة من أكاديميين ودبلوماسيين ورجال أعمال ومسؤولين حكوميين وإعلاميين، تبادلوا معه مراسلات تتضمن معلومات خاصة واقتراحات واتصالات اجتماعية ومهنية.
ويرى الكاتب أن هذه العلاقات ليست مجرد تواصل عادي، بل تمثّل شبكة نفوذ تُدار عبر تبادل المعلومات والخدمات، وتؤسس لـ “طبقة إبستين” كما وصفها عضو الكونغرس رو خانا، وهي طبقة تتقاطع فيها مصالح الأقوياء بغض النظر عن خلافاتهم الأيديولوجية.
ويعتبر غريداراداس أن هذه الطبقة مارست “عمى انتقائياً” لسنوات، متجاهلة أزمات مالية وحروباً فاشلة واتساع الهوة الاجتماعية، ما جعل التواطؤ مع إبستين امتداداً طبيعياً لمنظومة أوسع من التجاهل والتحصين الذاتي.
وتظهر الرسائل أيضاً كيف كان إبستين يستقبل معلومات “خاصة” من مصرفيين وعلماء ومقرّبين من دوائر السياسة، مقابل منحهم فرصاً أو فتح قنوات نفوذ جديدة.
ويصف الكاتب هذه العلاقة بأنها “سوق تبادل نفوذ”، حيث يسعى الأثرياء للظهور أذكياء، ويبحث الأذكياء عن المال، بينما يحتاج السياسيون إلى منصات للوصول، فيما يسعى أمثال إبستين إلى إعادة تلميع سمعتهم.
وتبرز مراسلات لافتة مثل العلاقة الثلاثية التي جمعت إبستين بالخبير الاقتصادي لورنس سامرز وزوجته إليسا نيو، إضافةً إلى محاولات مد جسور مع شخصيات مثيرة للجدل مثل ستيف بانون.
كما تكشف الرسائل تواصل إبستين مع كاثرين روملر، المستشارة القانونية السابقة في البيت الأبيض، التي كانت تبحث نصائحه رغم إدانته، في وقت كانت تستعد فيه لمسار مهني بارز في غولدمان ساكس.
ويرى الكاتب أن هذه الرسائل تقدّم إحدى أندر النوافذ على “العالم الحقيقي” لصناعة النفوذ الأميركية، حيث تُستخدم المعلومة الخاصة كعملة، وتتحوّل العلاقات إلى صفقات، ويصبح السفر الدائم مسرحاً لتبادل المصالح.
ووفق المقال، فإن “إعادة تأهيل إبستين اجتماعياً” لم تكن خطأً فردياً، بل نتيجة مباشرة لبنية نخبوية ظلت تعمل خلف الكواليس لحماية امتيازاتها.
ويخلص التحليل إلى أن نشر هذه الرسائل لا يفضح مسار إبستين وحده، بل يكشف آليات عمل طبقة حكمت المشهد من الظل، في وقت كان ضحايا إبستين يكافحون لإيصال أصواتهم، ويواجهون منظومة اعتادت تقليل شأن الأذى والتستر عليه حين يخدم مصالحها.














