الجمعة, ديسمبر 5, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSlider"كلنا للوطن".. ولكن...!

“كلنا للوطن”.. ولكن…!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| زينة أرزوني |

 

“كلُّنا للوطن”.. نعم، هكذا يبدأ نشيدُنا. لكن أيّ وطن هذا الذي نُقسم له؟

وطنٌ معلَّقٌ بين صورة أمّ تحتضن رماد ابنها الذي مزّقته صواريخ العدو على مرأى أعينها، وصورة برج في الخليج يلمع بألوان العلم اللبناني ساعة واحدة قبل أن يُعاد إطفاؤه مع أول خبر عاجل عن غارة جديدة على الجنوب!

أي نشيد ننشده، ونحن نتفرج على مشهدَيْن يختصران انفصام الجمهورية؟ شعب يشيّع أبناءه الذين تتربص بهم مسيرات “إسرائيل” على الطرقات، وساسة يطلقون المفرقعات احتفالاً بالاستقلال، فإذا بالرعب يعمّ أحياء بيروت أكثر مما تفعل صواريخ العدو!

هؤلاء هم أنفسهم الذين يُدرّسوننا “الوطنية” على المنابر، ويُطالبون بسحب سلاح المقاومة تزامناً مع اللحظة التي يزداد فيها العدو شراسة، ويختار ذكرى استقلالنا ليُذكرنا بأن السيادة “موسمية”، تُرفع على الشاشات كل 22 تشرين الثاني، وتُنسى في اليوم التالي!

هل صحيح “كلُّنا للوطن”؟ لا يا عزيزي بعضُنا للوطن، وبعضُنا لواشنطن، ولكي لا ينعق ناعق في وجه كلماتي ويقول لي “بعضنا لإيران أيضاً”، سأكتبها له وأناقشها في مقال لاحق…

في الجنوب، لم تكن زيارة رئيس الجمهورية زيارة تضامن، ولا تلك التحية تحية بطولية تمنوا أن نصدقها. لمن لم يفهم بعد كانت رسالة بريد سريع إلى الولايات المتحدة تقول “اطمئنوا، نسمعكم جيداً وتلقينا الإشارات وسنعمل على ضبط الداخل، ونُهذّب الخطاب، ونتجنب قول كلمة العدو”، وهكذا صار الإحتلال “طرفاً”، والعدوان “حادثاً”، والقتل “سوء تفاهم عابر”.

وما إن ارتفع صوت الرئيس عشية المناسبة من قلب الجنوب اللبناني، حتى وصل الصدى إلى البيت الأبيض، فابتسم ترامب كالعادة من دون ورق ومن دون حساب قائلاً في سره: “أحسنتم يا لبنانيين. تفضّلوا هذه دعوة رسميّة للرئيس إلى واشنطن، وجائزة ترضية عليها.. حزب الله مشكلة للبنان الأساسية”.

هكذا ببساطة، كأنّه يقول له: “برافو، شاطر أكمل في المشروع”.

ومع ذلك، تأتي مبادرة رئيس الجمهورية لوقف الاحتلال والاعتداءات، مبادرة مشفوعة بوعود الجيش والمجتمع الدولي واللجنة الخماسية والدول الشقيقة، وعود مكدّسة كعدّاد كهرباء لا يدور إلا نظرياً. وعود مكتوبة بقلم حبر ليس لبنانياً وليس مستورداً من الصين هذه المرة.

ولكن من “منبت الرجال” يأتي الجواب على هذه المبادرة: من قال إن الجنوبيين فقدوا لياقتهم في الدفاع؟

هم فقدوا فقط ثقتهم بوعودٍ تُكتب بالحبر وتُنسى بالدولار، وبتعليقات سياسيين يزورون خنادقهم لالتقاط الصور ثم يعودون إلى صالوناتهم المكيفة ليشرحوا لهم معنى “الصمود” من خلف الزجاج.

الجنوبيون يعرفون جيداً معنى الاحتلال، ويعرفون أكثر معنى التخلّي.

يعرفون أنّ الدولة التي لم تحمِ أرضها منذ ثمانية عقود، لن تصبح بين ليلة وضحاها دولة مواجهة، مهما علا الخطاب وارتفعت النبرة وتكاثرت المبادرات.

وهنا السؤال الطبيعي: أين “العودة المظفّرة” للدولة بينما الجنوب محروم من الإعمار بسبب الحصار الأميركي، وتحت الطيران الإسرائيلي الذي يدمّر ما يُبنى قبل أن يجفّ الإسمنت؟

وأين هي الدولة الموعودة، بينما مسؤولون أجانب يصفون السلطة الجديدة في مجالسهم الخاصة بـ”Failure Total”. عفواً، بالفرنسي كي تفهم الطبقة السياسية بسرعة أكبر.

طبقة لا يكتفي بعض رجالاتها بالوشاية في الخارج، بل يضيفون إليها حكمة العرّافين، فها هو “نوستراداموس الجمهورية”، يطل علينا متوقعاً التصعيد وكأنه يقرأ الطالع من كفّ السفارة.

يا لها من نبوءة. “إسرائيل” تقصف كل يوم وهو يتوقع تصعيداً، ما هذا الحدس الجبار!

لو عاش ميشال شيحا لكتب عنه فصلاً بعنوان “عبقرية قراءة النشرة الجوية السياسية”.

يخبروننا أن الحلّ يبدأ بنزع السلاح. وكأن “إسرائيل” تنتظر أن ترى جموع اللبنانيين يلوّحون لها بأغصان الزيتون كي تتوقف عن القتل. وكأن غزة لم تُسلَّم لـ”إسرائيل” تحت عنوان “الضمانات الأميركية”. وكأنّ الضفة الغربية لا تُلتهم اليوم على عين المبادرات العربية والاتفاقات الإبراهيمية!

والمعضلة الأكبر أن بعض أهل الحكم، يسارعون مع كل غارة إلى اعتبار التصعيد الإسرائيلي دليلاً على فشل المقاومة، لا فشل الدولة. منطق يستحق التدريس في جامعات العلاقات الدولية تحت عنوان “كيف تقنع شعبك أن السماء تمطر، بينما أحدهم يتبوّل فوق رأسك”.

ولكل من يراهن على تعب أهل الجنوب، عليهم أن يدركوا أن الجنوبيين لم يتعبوا من الدفاع عن أرضهم، ولا من رفع العلم اللبناني الحقيقي، ذاك الذي يُرفع في الخنادق، لا فوق الأبراج المكيّفة.

ذاك الذي يُرفرف على وقع الأناشيد التي تتلى عند الجنازات، لا في حفلات الاستقلال التي تُطلق فيها المفرقعات على رؤوس الفقراء.

“كلّنا للوطن”، يقول نشيدنا، ولكن الوطن لا يستعيد استقلاله بالشعارات، ولا بالبيانات الضعيفة، ولا بدبلوماسية الوشاية، ولا بإرضاء هذا السفير أو ذاك الموفد.

الوطن يعود يوم نعود نحن إليه، يوم نكتب ورقة لبنانية لا ورقة مفروضة، ونفاوض بالحد الأدنى من الكرامة، ونرفض أن نعطي الجزء كي لا نخسر الكل، ونتعلّم أخيراً أن سيادتنا لا تُستعان عليها بالخارج بل تُستعاد من الخارج.

وحتى ذلك الحين، سيبقى نشيدنا الوطني أجمل ما في الجمهورية، وأكثر ما يحتاج فيها إلى صدق أيضاً…

للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” إضغط على الرابط

https://chat.whatsapp.com/D1AbBGEjtWlGzpr4weF4y2?mode=ac_t

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img