| جورج علم |
تدفع الولايات المتحدة بإتجاه المفاوضات المباشرة. ولا مانع لديها أن تبدأ سريّة في مراحلها الأولى.
تتمحور الإتصالات حول المكان. هناك عواصم مرشّحة لإستضافتها: القاهرة، واشنطن، باريس، بالإضافة إلى نيويورك وجنيف.
لم تُستبعد الناقورة، لكن نتنياهو طرح شرطين:
– ألّا تكون في مقر قيادة “اليونيفيل” وتحت علم الأمم المتحدة.
– ألّا تكون فرنسا حاضرة. يريدها فقط برعاية أميركيّة.
• ماذا عن “الميكانيزم”؟
– العوض بسلامة المتمسكين بها. الولايات المتحدة غير متحمّسة لها. وتعتبر أنها مجرّد إطار لدعم الجيش اللبناني في مهمّة حصر السلاح. أما أن تعطى صلاحيات تفاوضيّة واسعة، فهذا لا رغبة لها فيه.
أما نتنياهو فقد أبلغ واشنطن بأن لا جدوى من إستمرارها. دورها ـ بنظره ـ إنتهى. وقف إطلاق النار الذي يتمسّك به لبنان، قد أسقطه “حزب الله” ـ وفق مزاعمه – بالضربة القاضية. بيانه الأخير أكّد المؤكد. رفع لاءات ثلاث بوجه الدولة، والأمم المتحدة، والمجتمع الدولي. وقال:
– لا لحصريّة السلاح.
– ولا للمفاوضات.
– ولا لإنهاء دور “القرض الحسن”.
إتخذت واشنطن من اللاءات الثلاث حجة للقول إن الحزب لم يلتزم بإتفاق وقف إطلاق النار. والدليل أنه أكّد على المقاومة، وعلى إعادة بناء قدراته العسكريّة، ووفّر لنتنياهو ذرائع يبني عليها حساباته، بينها رفع منسوب الإعتداءات، وعدم إمتثاله للإتفاق، وإدعائه بأن لجنة “الميكانيزم” فقدت مبرّرات إستمراريتها.
الجديد، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قرّرت تفعيل دورها تجاه لبنان. وإستند قرارها إلى مؤشرات ثلاثة:
– موقف رئيس الجمهوريّة جوزاف عون المتقدّم، لجهة الإصرار على التفاوض. وقوله “رسالتكم وصلت”، وفيه إنتقاد صريح للتغاضي الأميركي عن الإعتداءات الإسرائيليّة الأخيرة، وأيضاً للدور الإيراني الذي يصرّ على إبقاء لبنان رهينة!
– بيان “حزب الله” الأخير، وقد كان أشبه بقنبلة صوتيّة، ولم يترك ردود فعل بالحجم الذي كان يتوقعه الحزب. وقد شكّل تجاهله من قبل الرؤساء الثلاثة، صفعة معنويّة قويّة، لم تخفّف من أوجاعها التبريرات اللاحقة التي صدرت عنه.
– تجاهل مجلس الوزراء بيان الحزب. وتأكيده من جديد على حصريّة السلاح، وعلى المفاوضات.
ولا يمكن التقليل من حجم الإتصالات الدبلوماسيّة الناشطة وراء الكواليس حول من يرعى المفاوضات، ومن يستضيفها؟
تخوض القاهرة المعركة وكأنها معركتها. لم ترسل رئيس جهاز مخابراتها إلى بيروت لتناول فنجان قهوة في ضيافة المسؤولين. وقّت زيارته بعدما إكتملت العناصر الضروريّة للقيام بها، أي السقف العربي، والسقف الإقليمي – بإستثناء إيران – والسقف الدولي.
أطلقت طهران النار على المبادرة، من خلال بيان “حزب الله”. لا تريد أن يبدأ لبنان مفاوضاته، قبل أن تبدأ هي مفاوضاتها مع الولايات المتحدة. إلاّ أن واشنطن لم تتوقف عند رسالة الإعتراض هذه. موقف رئيس الجمهوريّة كان لافتاً. إعتبرت الخارجيّة الأميركيّة أن كلام الرئيس، “رسالتكم وصلت”، هو فعل إدانة، وكأن واشنطن قد تركت لبنان ضحيّة تتناهشها المخالب الإسرائيليّة ـ الإيرانيّة، فضلاً عن إنحيازها الصريح تجاه سياسة نتنياهو التوسعيّة.
وفي ضوء هذه المستجدات، وغيرها من الحسابات الإقليميّة ـ الدوليّة، إتخذت قرارها بالدفع نحو المفاوضات المباشرة. لكن قرارها الحاسم هذا، لن يأخذ طريقه إلى العلن إلا بعد محطات ثلاث:
الأولى: زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض، وما يمكن أن تسفر عنه المحادثات من دعم يمكن أن توفّره دمشق لبيروت في الإستحقاقات المصيريّة التي تنتظرها، ومدى القدرة لديها لقطع الأوكسجين الإيراني عن الرئة التي يتنفّس منها “حزب الله”.
الثانية: زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض منتصف هذا الشهر، حيث سيكون الملف اللبناني ضمن الأولويات التي ستتناولها المحادثات، ومدى الدعم السياسي والمعنوي الذي يمكن أن توفره الرياض لدعم المفاوضات، وتوفير ظروف نجاحها.
الثالثة: زيارة البابا ليون الرابع عشر إلى لبنان.
تحت هذا العنوان تجري محادثات أميركيّة ـ فاتيكانيّة مكثّفة حول الواقع والمرتجى، أو ما يفترض أن تكون عليه الأمور في لبنان حاضراً ومستقبلاً، وهل يبقى “وطن الرسالة” بخصوصيته الحضاريّة، وتعدديته الثقافيّة، كما يريد الفاتيكان، أم لبنان آخر، لدور آخر كما يريد نتنياهو؟
ماذا عن لبنان؟
الكلام حاليّاً عن المفاوضات، هو كلام “العملاء” بنظر البعض. لكن الشعارات الشعبوّية هي أيضاً وجه من وجوه العمالة، خصوصاً عندما يذهب الوطن بريحه نحو المجهول، ولا تعود تقوم له قيامة من بين الأنقاض، والرزايا.
تعرف الولايات المتحدة، وغيرها من الدول المهتمّة، بأن المفاوضات لن تلقى إجماعاً لبنانيّاً، ولكن في ظلّ إستمرار الممانعة، وتعاظم حدّة الإنقسام الداخلي، وإستباحة “إسرائيل” للبشر والحجر، تفرض على لبنان فرضاً كمسار لا بدّ من سلوكه، بالتالي ما على أهل الفطنة والحكمة إلاّ الإستعداد لها، حتى لا تأتي نتائجها كارثيّة!
إن المكابرة، في ظلّ التحديات، والتوازنات المحليّة والإقليميّة والدوليّة القائمة، تعتبر أيضاً وجهاً من وجوه المؤامرة؟














