/ جورج علم /
زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سلطنة عمان في 23 أيار الماضي. إستقبله السلطان هيثم بن طارق بحفاوة. إنها الزيارة الثانية التي يقوم بها رئيسي الى بلد عربي، منذ إنتخابه، الأولى كانت الى قطر في شباط الماضي. ويضاف على هذا الإنفتاح، “المسار التفاوضي” بين الرياض وطهران في مسعى مشترك لتحسين العلاقات.
قبيل زيارته، شنّ الرئيس الإيراني هجوما عنيفا على “الصهاينة”، واتهمهم باغتيال القيادي في “الحرس الثوري” حسن صياد خدائي، وقال: “إيران ستثأر”. وأضاف: “طلبت من المسؤولين الأمنييّن الملاحقة الجادة لمرتكبي هذه الجريمة، وليس لديّ شك بأن الإنتقام لدماء شهيدنا الطاهرة أمر حتمي”.
وصل الى العاصمة العمانيّة على وقع هذه التصريحات، وفي ملفّه موضوع حسّاس يتعلق بكيفيّة معالجة ملف السفينة الإسرائيليّة “هايبريون راي” التي تبحر تحت علم الباهاما، والتي تعرّضت لهجوم صاروخي إيراني في 15 نيسان الماضي، بالقرب من إمارة الفجيرة، على ساحل خليج عمان.
الهدف من هذه المقدمة الموجزة، إظهار عيّنة من أسباب التوتر بين إيران، وإسرائيل، وهو مسار تصعيدي بامتياز على خلفيات الإتهامات المتبادلة.
- لقد نجحت تل أبيب ـ بنسب متواضعة ـ بتعليق مفاوضات فيينا، عبر حمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على التريث في العودة الى الإتفاق النووي.
- لقد أيدت بقوة التوصية التي رفعها الكونغرس الى البيت الأبيض، حول “الحرس الثوري” الإيراني، وعدم رفعه عن قائمة المنظمات الإرهابيّة.
- لقد هدّدت بمنع طهران من إمتلاك سلاح نووي.
- تواصل نشاطها العدواني ضد المواقع الإيرانية في سوريا، وشعارها “منع الحرس الثوري من أن يصبح على تخوم حدودها الشمالية في الجولان السوري المحتل”.
بالمقابل:
- تصرّ طهران على توسيع وتحصين نفوذها في كلّ من العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.
- تواجه الإستهدافات الإسرائيليّة ضمن “فن الممكن، والمستطاع”، لإعتبارات خاصة بها، وعلى قاعدة: “لا هدنة ثابتة، ولا مواجهة مكلفة”.
يتأثر لبنان بهذا “المنخفض الجوّي” الإقليمي، حيث يقف “حزب الله” عند خطّ التماس مباشرة. لكن وقفته هذه مرتبكة، تساورها شكوك، وهو مطالب بعملية “فحص دم” في المختبر الوطني اللبناني، لاكتشاف مدى تفوق “كريّات التبعيّة”، على “الكريّات السياديّة”.
يُظهر الحزب “فائض القوّة” للحرص على الهالة، والدور. لكنه يعرف في وجدانه الباطنيّ بأنه أقلّ “فائضاً” ممّا كان، أو أن “فائضه” قد أصيب بتشظيّات بالغة.
ليس قليلاً أن يفقد الوحدة الوطنيّة الداخليّة حول سلاحه. ليس قليلاً أن يتحوّل إلى طرف، وأن توجّه اليه أصابع الإتهام بالتبعيّة، والجهويّة، والفئويّة. ليس قليلاً أن يجرّد من قبل “التغييريّين”، و”السيادييّن” من “حصر الإرث السيادي”، وقد إحتكره لنفسه، وتشاوف به على الآخرين، ليكتشف فجأة بأن هؤلاء “الآخرين” اكتشفوا بدورهم نقاط ضعفه.
يقف الحزب اليوم متأهباً عند خطّ التماس الإيراني ـ الإسرائيلي المتوتر، وعينه على الداخل. هل يريد “استمرار لبنان ساحة لتصفية الحسابات الإيرانيّة ـ الاقليميّة.. أم يريده وطناً، وأن يكون خاضعاً لسقوف الدولة، والمؤسسات، والنظام، والدستور، والقوانين المرعيّة الإجراء؟
لقد شارك في “الوليمة” البرلمانية التي أقيمت في ساحة النجمة الثلاثاء الماضي، وتمكّن من الوصول الى “الطبق الشهي”، وإقتطع لـ”صحنه”: الرئيس، ونائب رئيس المجلس، ولكنه خرج “محشوراً”. ستون صوتاً (60 + 2 ورقتان بيضاء + 1 ورقة ملغاة = 63 صوتاً، مقابل 65 للنائب الياس بوصعب)، هذا يعني الرقص على حافّة الهاوية، ماذا عن اليوم التالي؟ وعن الإستحقاق الذي يلي؟ وعن الحكومة الجديدة؟ وهل سيحتفظ بمعادلة “جيش، وشعب، ومقاومة” في بيانها الوزاري، أم زمن الأول، قد تحوّل، وما كان، لم يعد بالإمكان، حتى ولو علا التهديد بالثبور، وعظائم الأمور!
يحمل البريد السريع أوراقاً “تسويقيّة” من وراء الحدود، إحداها تقول: هناك مصلحة لدى البعض في تعويم حكومة تصريف الأعمال، عن طريق منحها الثقة من قبل المجلس النيابي المنتخب حديثاً، مقابل صفقة مثلّثة الأضلع: إدخال بعض “الرتوش” عليها. أن يحتفظ الحزب بثلاثيته الذهبيّة وفق الصيغة التي وردت في البيان الوزاري، والذي على أساسه نالت ثقة المجلس النيابي سابقاً عند تشكيلها. وأن تتعهّد بتطبيق شروط وإصلاحات صندوق النقد الدولي تمهيداً لوضع خطة التعافي الإقتصادي موضع التنفيذ.
وتفيد إحدى الأوراق أيضاً، بأن “الإنسداد الخارجي يحيط بالأزمة في لبنان من جهات أربع: الجبهة الإسرائيليّة ـ الإيرانيّة المضطربة. جبهة فيينا، والمباحثات المجمّدة حول الإتفاق النووي الإيراني. والجبهة الروسيّة ـ الأوكرانيّة وما تتركه من تداعيات على الساحتين الإقليميّة والمحليّة. وأخيراً، وليس آخراً، الجبهة الفرنسيّة ـ الأوروبيّة ـ الأميركيّة ـ الأممية التي “فلقتنا” بضرورة إجراء الإنتخابات، وفي مواعيدها الدستوريّة، لإحداث التغيير الموعود، وعندما حصلت، إنثقب الدف، وتفرّق العشّاق، وراحت العواصم تبحث عن أمن غذائها… عن قمحها، ودقيقها، ونفطها، وطاقتها في ظلّ العقوبات على روسيا وموارد الطاقة، والإهراءات التي في عهدتها، أو تسيطر عليها”!
ويبقى الرهان على الخارج فعل إيمان ورجاء لدى “السيادييّن”، ومعهم فريق واسع من اللبنانييّن، للتمسّك بخشبة الإنقاذ… لكن الخارج ـ بغالبيته ـ له أولوياته التي يبدّيها على أي أولوية خارجيّة أخرى، مهما كانت الأسباب الملحّة!