السبت, ديسمبر 6, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderإنجاز "الصحة" يزيح شبح الموت عن مرضى السرطان

إنجاز “الصحة” يزيح شبح الموت عن مرضى السرطان

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| ناديا الحلاق |

في خطوة تُعدّ من أبرز المبادرات الصحية خلال السنوات الأخيرة، أعلن وزير الصحّة العامة الدكتور ركان ناصر الدين، عن قرار يشمل تغطية عمليات زرع نقي العظم بالكامل في المستشفيات الحكومية والخاصة، ضمن خطة وطنية تهدف إلى توسيع مظلة الرعاية الصحية وضمان العدالة في الوصول إلى العلاج.

وأوضح الوزير ناصر الدين أن القرار جاء بعد مفاوضات دقيقة مع إدارات المستشفيات لتحديد سعر موحّد ومقبول لهذه العمليات التي تُعدّ من الأعلى كلفة على المرضى، إذ تتراوح تكلفتها بين 30 و60 ألف دولار أميركي. وأضاف أن وزارة الصحّة ستتحمل كامل النفقات عن المرضى الذين يحتاجون إلى هذا العلاج، ما يزيل أحد أبرز العوائق المادية التي كانت تحول دون حصولهم على فرصة الشفاء.

ويعتبر زرع نقي العظم من أكثر الإجراءات الطبية تطوراً وحساسية في مجال علاج أمراض السرطان والدم، وهو العلاج المنقذ للحياة لعدد كبير من المرضى المصابين بـ اللوكيميا (سرطان الدم) والثلاسيميا وفشل النقي والأمراض المناعية الوراثية.
وقد كان العديد من المرضى في لبنان يضطرون سابقاً للسفر إلى الخارج لإجراء هذه العمليات الدقيقة بسبب كلفتها العالية وصعوبة تأمين المتبرعين، الأمر الذي شكل عبئاً مادياً ونفسياً كبيراً على العائلات. أما اليوم، فإن القرار الجديد بتغطية هذه العمليات ضمن النظام الصحي الوطني يشكل تحولًا نوعياً في مقاربة الدولة لمسؤوليتها الإنسانية والصحية، ويعيد الأمل إلى مئات المرضى الذين كانوا يواجهون مستقبلاً غامضاً.

ما هو زرع نقي العظم؟
نقي العظم، أو نخاع العظم، هو النسيج الإسفنجي داخل العظام المسؤول عن إنتاج خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية. وعندما يتوقف هذا النقي عن أداء وظيفته بسبب مرض سرطاني أو وراثي، يفقد الجسم قدرته على إنتاج الدم بشكل سليم، ما يهدد حياة المريض.

هنا يأتي دور عملية الزرع، التي تقوم على استبدال النقي المصاب أو التالف بنقي سليم من متبرع أو من المريض نفسه بعد معالجته، بهدف إعادة إنتاج خلايا دم سليمة واستعادة وظيفة الجهاز المناعي.

هناك نوعان رئيسيان من زرع النقي:
الزرع الذاتي: حيث تؤخذ خلايا النقي من المريض نفسه قبل العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، ثم تعاد إليه بعد تنقيتها. يستخدم هذا النوع عادةً في بعض أنواع السرطانات مثل الأورام اللمفاوية والورم النخاعي.
الزرع الخيفي (من متبرع): ويستخدم عندما يكون نقي العظم لدى المريض غير صالح تماماً، فيستبدل بنقي من متبرع متوافق من العائلة أو من متبرع مجهول، ويتم زرعه عبر نقل الخلايا الجذعية إلى جسم المريض عن طريق الوريد، لتستقر في العظام وتبدأ بإنتاج خلايا دم جديدة وسليمة.

كيف تتم العملية؟

تبدأ العملية بمرحلة التحضير والعلاج الممهّد، حيث يخضع المريض لعلاج كيميائي أو إشعاعي مكثّف لتدمير الخلايا المريضة في النقي القديم. بعد ذلك، تحقن خلايا النقي الجديدة التي تجمع من المتبرع أو من المريض نفسه عبر الوريد بطريقة تشبه نقل الدم.
تستغرق هذه الخلايا من أسبوعين إلى أربعة أسابيع لتبدأ بالاستقرار داخل العظام وإنتاج خلايا جديدة، وهي المرحلة التي تتطلب مراقبة دقيقة في المستشفى، لأن مناعة المريض تكون ضعيفة جداً خلالها.
بعد نجاح الزرع، يعود النقي الجديد إلى العمل تدريجياً، وتبدأ مؤشرات الشفاء بالظهور عندما ترتفع أعداد خلايا الدم إلى مستوياتها الطبيعية. وتعتبر هذه المرحلة مفصلية، إذ تحدد مدى نجاح العملية واستقرارها على المدى الطويل.

الفوائد العلاجية
لا يقتصر زرع نقي العظم على إنقاذ الأرواح، بل يعد أيضاً بوابة للشفاء الكامل في كثير من الحالات التي كانت تعتبر ميؤوساً منها سابقاً.
فمرضى اللوكيميا والثلاسيميا الذين كانوا يحتاجون إلى نقل دم مدى الحياة يمكنهم، بعد نجاح الزرع، أن يعيشوا حياة طبيعية من دون اعتماد دائم على العلاجات الداعمة.
وفي حين لا تزال التحديات قائمة، خصوصاً في ما يتعلق بتأمين التجهيزات المتطورة وبنوك الخلايا الجذعية، إلا أن الأمل بات أكبر من أي وقت مضى في أن يتحول زرع نقي العظم من حلم مكلف إلى واقع منقذ للحياة في لبنان.
ويأتي هذا القرار في وقت يشهد فيه القطاع الصحي اللبناني ضغوطاً متزايدة نتيجة الأزمة الاقتصادية وهجرة الكفاءات الطبية. لذلك، ينظر إلى الخطوة الجديدة كرسالة واضحة مفادها أن الدولة لا تزال قادرة على اتخاذ قرارات جريئة تنحاز إلى الإنسان أولًا، وتعيد ترميم الثقة بالقطاع العام وبمفهوم العدالة الصحية.
وبهذا القرار، تعيد وزارة الصحّة رسم ملامح السياسة الصحية في لبنان على أسس أكثر إنصافًا واستدامة، مؤكدة أن الحق في العلاج ليس ترفًا، بل التزام وطني وأخلاقي تجاه كل مريض.

آلية الالتزام والمراقبة

وردًّا على التساؤلات حول كيفية ضمان التزام جميع المستشفيات الحكومية والخاصة بتطبيق قرار تغطية عمليات زرع نقي العظم بالكامل، وآليات الرقابة والمتابعة لضمان الشفافية في الفواتير، وشمول القرار لجميع المرضى بمن فيهم المؤمنون والمضمونون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو شركات التأمين الخاصة، أوضح مصدر في وزارة الصحّة العامة أن الوزارة وضعت خطة تنفيذية دقيقة تضمن التطبيق العادل والشفاف للقرار في جميع المستشفيات المعتمدة.

وأضاف المصدر، أن الوزارة ستعتمد نظام متابعة ومراقبة الحالات عبر طبيب مراقب مكلف من قبل الوزارة، لتسجيل كل حالة منذ لحظة التشخيص وحتى إجراء العملية وتسديد الفواتير.
كما ستقوم بزيارات ميدانية دورية للتأكد من الالتزام الكامل بالأسعار والمعايير الطبية المحددة، مشيرًا إلى أن أي مخالفة ستتخذ بحقها الإجراءات المناسبة فورًا، مع التأكيد على وجود كودات وتسعيرات معتمدة لا مجال للتلاعب فيها.

وشدّد المصدر على أن القرار يشمل جميع المرضى اللبنانيين الذين يحتاجون إلى زرع نقي العظم، مع استثناء الأشخاص المستفيدين من الجهات الضامنة، الذين لن يشملهم هذا القرار.
أما بالنسبة للأشخاص الذين لديهم بوالص تأمين، فهناك آلية آخرى ستعلن عنها الوزارة في وقت لاحق، تتفرع فيها كل التفاصيل.

مصادر التمويل واستدامته
وأوضح المصدر أن التمويل سيستمد من موازنة وزارة الصحة المخصصة للأمراض المستعصية والمزمنة، مع إمكانية وجود مساهمات من صناديق دعم دولية ومنظمات مانحة متخصصة بالرعاية الصحية.
كما تعمل الوزارة على إعداد خطة متوسطة المدى لضمان استدامة مالية عبر تخصيص بند دائم في الموازنة العامة لتغطية هذه العمليات.
الوزارة من جهتها، شدد على أن المبادرة ليست مبادرة ظرفية، بل خطوة استراتيجية لترسيخ مبدأ العدالة الصحية وضمان الحق في العلاج لكل مريض، ضمن أعلى معايير الشفافية والمساءلة.

للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” على “واتساب” إضغط على الرابط

https://chat.whatsapp.com/D1AbBGEjtWlGzpr4weF4y2?mode=ac_t

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img