الجمعة, ديسمبر 5, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderارتفاع أسعار الذهب.. طويل الأمد أم موجة مؤقتة؟

ارتفاع أسعار الذهب.. طويل الأمد أم موجة مؤقتة؟

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| ناديا الحلاق |

في عالمٍ يزداد اضطراباً يوماً بعد يوم، حيث تتبدّل موازين القوى الاقتصادية وتتسارع الأزمات المالية والجيوسياسية، يبرز الذهب مجدداً كأحد أعمدة الثقة القليلة المتبقية في النظام المالي العالمي.
مع تصاعد موجات التضخم، وتباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى، وتزايد الديون السيادية إلى مستويات غير مسبوقة، باتت العملات الورقية تفقد جزءاً من قدرتها على تمثيل القيمة الحقيقية، مما أعاد إلى الأذهان الدور التاريخي للذهب كملاذ آمن يحفظ الثروة ويوازن المخاطر.
لم يعد الاهتمام بالذهب محصوراً بالمستثمرين الكبار أو البنوك المركزية فحسب، بل امتد إلى الأفراد العاديين الذين يبحثون عن ملاذ يحمي مدخراتهم من التآكل في زمن تتراجع فيه الثقة بالأنظمة النقدية والمصارف.

في الوقت ذاته، تتشابك العوامل الاقتصادية والسياسية في مشهد عالمي معقد: حربٌ في أوروبا تهدد إمدادات الطاقة والغذاء، وصراع تجاري وتكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، وتوترات متزايدة في الشرق الأوسط وممرات التجارة العالمية. كل ذلك جعل من الذهب ليس مجرد معدن نفيس، بل “عملة الأزمات” التي يلجأ إليها العالم كلما غابت اليقينيات الاقتصادية.

في هذا السياق، يطرح سؤال جوهري نفسه بإلحاح:
هل لا يزال الذهب الملاذ الآمن الحقيقي في زمن التضخم العالمي والتوترات الجيوسياسية، أم أن ارتفاع أسعاره الحالي مجرد موجة مؤقتة؟

الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري، قال لموقع “الجريدة” إن أسعار الذهب اليوم تقف عند مفترق صعب، يجمع بين تصحيح محتمل قصير الأجل وارتفاع مستقبلي متوقع في الأجل المتوسط والطويل.
وأضاف الخوري: “السوق ارتفع بسرعة بدافع الذعر العالمي والتوترات الجيوسياسية والضباب النقدي، ومن الطبيعي أن يحتاج إلى استراحة تقنية تعيد التوازن بين الطلب الاستثماري وقدرة المستثمرين الشرائية. لكن هذه الاستراحة لا تغيّر الاتجاه العام، بل تمهّده لموجة صعود جديدة تتوقع أن تصل إلى مستويات بين 4500 و5000 دولار للأونصة، وهي تقديرات منطقية تنسجم مع ضعف العملات الورقية وتآكل الثقة في أدوات الدين السيادية”.
وأشار الخوري إلى أن العوامل الاقتصادية لا تزال داعمة للذهب بعمق: “التضخم لم ينكسر فعلياً رغم تباطؤه في الإحصاءات، وأسعار الفائدة الاسمية لا تكفي لتوليد عائد حقيقي موجب. أي من يحتفظ بالنقد يخسر قيمته مع الوقت، وفي هذه البيئة يصبح الذهب المرآة التي تعكس فقدان الثقة بالنقود أكثر مما يعكس قيمته الذاتية”.

وأضاف: “مع التوقعات بخفض تدريجي للفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا خلال العام المقبل، يتراجع العائد الحقيقي أكثر، فينتقل المستثمرون إلى الذهب تحوّطاً من إعادة تسعير كبرى للأصول الورقية، حتى حاملي الدولار أنفسهم يبحثون عن حماية حقيقية من تآكل قوته الشرائية، خصوصاً مع تضخم الدين العام الأميركي وزيادة إصدارات السندات لتمويل العجز”.
أما على الصعيد “الجيوسياسي”، رأى الخوري أن الوضع الحالي يشكل عامل ضغطاً إضافياً على أسعار الذهب: “العالم يعيش حالة من القلق الشديد، بين حرب باردة مفتوحة بين الولايات المتحدة والصين، وحرب فعلية في أوروبا الشرقية، واضطرابات في الشرق الأوسط، وتوترات في ممرات الطاقة والتجارة. كل أزمة تزيد الطلب على الذهب كملاذ آمن خارج منظومة المخاطر، ويضاف إلى ذلك دور البنوك المركزية التي تشتري الذهب بوتيرة غير مسبوقة لتقليص اعتمادها على الدولار، مما يرفع الطلب الرسمي ويقلص العرض في السوق الحرة”.

وعن العرض والطلب المادي، قال: “الإنتاج المنجمي لا ينمو بالسرعة الكافية لتعويض الزيادة في الاستهلاك الاستثماري، بينما تكاليف الاستخراج والطاقة تحد من التوسع السريع. كما أن الذهب المخزّن لا يخرج إلى السوق بسهولة لأن حامليه ينظرون إليه كضمانة أخيرة، وليست سلعة للبيع”.
واعتبر الخوري أن الاتجاه البنيوي للذهب صعودي، حيث أن الارتفاع ليس بسبب المضاربات، بل لأن النظام النقدي العالمي نفسه يعيد تصنيف أدواته الآمنة من الدولار والعملات إلى الذهب والمعادن. وبالتالي، على المستثمر أن يراقب التضخم الحقيقي، اتجاهات الفائدة، حركة الدولار، سياسات البنوك المركزية والوضع الجيوسياسي ليقرر حجم حيازته من الذهب داخل محفظة متنوعة ومتوازنة. المسألة ليست توقيت الشراء أو البيع بقدر ما هي تحديد النسبة المناسبة من الذهب كتحوّط استراتيجي في زمن تتغير فيه طبيعة المال ذاته.

السوق اللبنانية والذهب كملاذ آمن

في لبنان، يبدو أن ارتفاع أسعار الذهب لم يثنِ المواطنين عن شرائه، بل زاد من الإقبال عليه كأداة لحماية المدخرات.
بائع ذهب في سوق بربور قال لموقع “الجريدة”: “حتى مع القفزات الكبيرة في الأسعار، الطلب على الذهب لم ينخفض. المواطن اللبناني يعتبر الذهب ملاذاً آمناً ضد التضخم وانخفاض قيمة الليرة، ويأتي يومياً إلى المحل ليشتري، سواء كان للادخار أو للمجوهرات. الناس يعرفون أن الذهب هو الضمانة الأخيرة لهم في ظل الوضع الاقتصادي غير المستقر”.
وتعود حركة البيع المستمرة رغم ارتفاع الأسعار، إلى أن الأزمة الاقتصادية اللبنانية وزيادة التضخم المحلي جعلت الذهب أكثر من مجرد استثمار، حيث فقد الليرة اللبنانية جزءاً كبيراً من قيمتها، والمدخرات في المصارف لم تعد تضمن الحفاظ على القوة الشرائية. هنا يظهر الذهب كأداة موثوقة تحفظ الثروة من الانهيار، سواء كان للأفراد أو للعائلات التي تحرص على تأمين مستقبل أولادها.

كما أن الطلب على الذهب مرتبط بالبعد الثقافي والاجتماعي، حيث يُعتبر جزءاً من العادات والتقاليد في المناسبات مثل الأعراس والمهرجانات الدينية، مما يزيد الطلب حتى في فترات الارتفاع الحاد للأسعار.
وأوضح الخوري أن اللبنانيين ينظرون إلى الذهب ليس كسلعة، بل كضمانة حقيقية في زمن تغيّر فيه كل شيء، من قيمة النقود إلى استقرار الأسواق.
بهذا، يصبح الذهب في لبنان رمزاً للحماية والاستقرار المالي، جامعاً بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومؤشراً على كيفية تكيّف المواطنين مع الظروف الاستثنائية والضغوط العالمية والمحلية.

للانضمام إلى مجموعات “الجريدة” على “واتس آب” إضغط على الرابط

https://chat.whatsapp.com/KcTcdtSlZ5a0SaZPTZsoiV?mode=ems_cop

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img