/ هبة علّام /
“لم نصل بعد إلى قعر الحفرة التي سنهوي فيها جيمعاً، بل ما زلنا على الحافة”.
بهذه العبارة يلخّص بعض خبراء الاقتصاد واقع الحال، ويرسمون صورة لما هو مقبل عليه البلد.
بعد ثلاث سنوات من التظاهرات، والانهيارات المتتالية، والأزمات، والمناكفات السياسية، والتعطيل، والمراهنات، والمحاصصات التي بقيت مستمرة برغم كل تلك الأحداث… كان من المفترض أن تبدأ السلطة مرحلة جديدة بعد الانتخابات النيابية بأسلوب جديد لجهة إدارة البلد، لا بل إدارة الأزمة، والتعاطي في ما بين الأفرقاء السياسيين على أساس التعاون.
لكن المفاجأة كانت أن ما من شيء تغيّر، ولم تتعلم القوى السياسية التي نازعت حتى حافظت على وجودها في الانتخابات، بعد النقمة الشعبية عليها طوال تلك الأعوام، فخرجت تساوم على المراكز وتتحدى بعضها البعض، في الوقت الذي رفعت فيه حدّة خطابها أكثر فأكثر.
هذه القوى لا تزال تسير بنفس النهج، على الرغم من علمها علم اليقين أن الوقت اليوم لم يعد يسمح لترف السجالات السياسية، ولا هو مناسب لتسجيل النقاط، فيما البلد يتّجه بسرعة مخيفة نحو الانهيار الشامل والفوضى، مع ارتفاع الأسعار ولعبة الدولار صعوداً وهبوطاً، مترافقة مع ازدياد متواصل في حجم التضخم.
كما أنّ نتائج الانتخابات أفرزت 3 محاور لا غلبة لأحد فيها، ما ينذر بالمزيد من التعقيدات السياسية التي ستفاقم الأزمة، ولن تدفع إلى العمل على إيجاد حلول، ما لم يتم التعاون فيما بينها.
أزمة لبنان اليوم، بحسب أوساط متابعة، أكبر بكثير من تشكيلة نيابية، بل إنّها تحتاج إلى نواة تسوية داخلية خارجية، بهدف إحداث تغيير في بنية النظام الحالي الذي أُعلنت وفاته عملياً. لكن، للأسف، لم تنضج هكذا تسوية حتى الآن، لاسيما أن الظروف الإقليمية والدولية ليست في وارد البحث بلبنان وأوضاعه كأولوية، باستثناء الخرق الذي تحاول فرنسا إحداثه في الوقت القريب.
وبالتالي، ترى الأوساط ضرورة أن “تنزل القوى السياسية عن عرشها”، وتنظر إلى الواقع الذي لن تعدله لا تعاميم مصرف لبنان ولا غيرها، لأن الخشية اليوم باتت من انفجار الوضع أمنياً، بسبب الجوع وعدم قدرة الناس على تأمين أقل احتياجاتها، إضافة إلى معاناتها أيضاً من انقطاع تام للمياه والكهرباء وبعض الأدوية، فيما استمرار تأرجح الدولار بهذه الطريقة، غير المفهومة اقتصادياً ولا تُصرف إلا في السياسة، قد يدفع الجميع إلى التعامل بالـ “الفريش دولار” في السوق، وهنا ستكون الكارثة.
وحذّرت الأوساط، من أنّ المماطلة في الانتهاء من الاستحقاقات الدستورية وحرق الوقت، بدل الانكباب على العمل الجدي لوقف كرة الانهيار التي ستطيح بالجميع في درب تدحرجها، يعني أن انفراط هذا العقد القائم عليه النظام، بات قاب قوسين وأدنى، لاسيما وأن الأموال المستنزفة والمتبقية في المصرف المركزي، لن تخدم طويلاً، وعندها سيُقال للمواطنين “دبّروا راسكم”.
وتضيف الأوساط نفسها، أنّ على القوى السياسية عدم انتظار أي تسويات خارجية في الوقت الراهن، لأن التسوية المعني بها لبنان، والتي ستنهي حرب الغاز في مياهه وترسيم الحدود، لا تزال بعيدة، فمؤشرات الضغط الأميركي في هذا الاتجاه في أوجها، لا بل ستتفاقم حدّتها في المرحلة المقبلة، لعل التسوية تتنزع لواشنطن وحليفها “الكيان الإسرائيلي” بعض المكاسب.
لذلك، على الجميع في لبنان، الانطلاق مرحلياً من الداخل، والبدء بالعمل الفعليّ لفرملة الانهيار على أبعد تقدير، قبل أن تنفجر القنبلة في وجه الجميع.