| ناديا الحلاق |
أثار البند المتعلق بفرض رسم إضافي بنسبة 3% على عمليات الاستيراد، الوارد في مشروع موازنة 2026، سجالاً واسعاً بين الأوساط الاقتصادية والمالية.
بينما تعتبره الدولة وسيلة لتعزيز إيراداتها وتحقيق توازن نسبي في المالية العامة، يرى خبراء الاقتصاد أنّ هذه الخطوة قد تنعكس سلباً على الأسعار، التضخم، والقطاع الخاص، لتتحوّل إلى عبء إضافي على المواطنين والاقتصاد الوطني.
خلفية القرار
لطالما اعتمدت الدولة اللبنانية على الرسوم الجمركية كمورد رئيسي للخزينة. فمعظم السلع المستوردة تخضع لرسم ثابت بنسبة 5%. وفي عام 2018، أُضيفت نسبة 3% بحجة دعم الصناعات المحلية، لتصل الرسوم إلى 8%. واليوم، مع الرسم الجديد، سترتفع النسبة إلى 11% على الأقل، فيما قد تتجاوز 22% إذا أُضيفت ضريبة القيمة المضافة.
اقتصاديون يذكّرون بأن الرسوم التي فرضت سابقاً بحجة دعم الإنتاج المحلي لم تحوّل إلى الصناعيين كما وُعد، بل ذهبت لتغطية نفقات الدولة، ما يعكس أزمة ثقة متجدّدة في كيفية إدارة الإيرادات العامة.
التأثير على الأسعار والتضخم
التقديرات تشير إلى أن فاتورة الاستيراد السنوية للبنان تبلغ نحو 20 مليار دولار. ما يعني أن الرسم الجديد سيضيف حوالى 600 مليون دولار على كلفة الواردات. وبحسب الخبراء، فإن هذه الكلفة لن تبقى محصورة بالمستوردين، بل ستحمّل مباشرة إلى المستهلك النهائي عبر رفع أسعار السلع الأساسية بنسبة تتراوح بين 4 و5%.
هذا الارتفاع سينعكس على معدل التضخم، الذي يسجّل أصلاً حوالى 15% سنوياً، ليقفز بنحو 5% إضافية. وهكذا، يتحوّل الرسم إلى “ضريبة تضخمية” تصيب القوة الشرائية للمواطنين، وتدفع شرائح أوسع نحو مزيد من العجز في تلبية احتياجاتها.
انعكاسات على القطاع الخاص
القطاع الخاص، الذي لا يزال يحاول التعافي من تداعيات الأزمة المالية والركود، سيواجه ضغوطاً جديدة. فارتفاع كلفة الاستيراد سيضعف القدرة التنافسية للشركات المحلية، ويزيد من تحدياتها في سوق استهلاكية محدودة القدرة. ويرى الخبراء أن استمرار هذه السياسات قد يدفع العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى الإقفال أو تقليص نشاطها، ما يعني خسارة فرص عمل إضافية وتراجعاً في الإنتاجية.
العدالة الضريبية الغائبة
من النقاط التي يثيرها الاقتصاديون بقوة، هي مسألة العدالة الضريبية. فالدولة تلجأ باستمرار إلى فرض ضرائب ورسوم على القطاع المنظّم الذي يلتزم بالقوانين، في حين يبقى الاقتصاد الموازي، الذي يقدر حجمه بأكثر من نصف الاقتصاد الرسمي، خارج دائرة المحاسبة. ويرى الخبراء أن معالجة التهرب الضريبي والتهريب، وتحسين آليات الجباية، تمثل مدخلاً أكثر عدالة وفعالية لزيادة الإيرادات بدل إثقال كاهل الملتزمين.
أبعاد بعيدة المدى
لا يقتصر تأثير الرسم الجديد على الأسعار المباشرة، بل يمتد إلى عناصر الثقة والاستثمار. فالرسوم المتكررة وغير المستقرة تُضعف البيئة الاستثمارية، وتعطي إشارات سلبية للمستثمرين المحليين والأجانب حول جدوى توجيه أموالهم إلى سوق غير مستقر ضريبياً. ومع استمرار الضغط على القطاع الخاص، تتراجع القدرة على خلق فرص عمل جديدة، ما يفاقم البطالة ويُطيل أمد الركود.
البدائل الممكنة
في المقابل، يشير الخبراء إلى وجود بدائل عديدة لزيادة إيرادات الدولة، مثل:
– تعزيز الجباية الضريبية عبر مكافحة التهرّب المنظم والتهريب عبر الحدود.
– توسيع القاعدة الضريبية بدل التركيز على فئة محدودة من الملتزمين.
– اعتماد إصلاحات هيكلية في مؤسسات الدولة لتخفيض الهدر وضبط النفقات.
– تشجيع النمو والاستثمار بما يعزز الإيرادات بشكل طبيعي من خلال النشاط الاقتصادي، لا عبر الرسوم الاستثنائية.
وبالنتيجة يبقى الجدل مفتوحاً بين حاجة الدولة إلى موارد جديدة وسعيها إلى سد العجز، وبين تحذيرات الاقتصاديين من أن الطريق المعتمد قد يضاعف الأزمات. ومع استمرار النقاش في مجلس الوزراء، ثم في مجلس النواب، يعلّق اللبنانيون آمالاً على إعادة النظر في هذا البند، أو على الأقل إيجاد مقاربة أكثر عدالة، توازن بين إيرادات الدولة وحماية القدرة المعيشية للمواطنين، وتفتح في الوقت نفسه الباب أمام إصلاح اقتصادي حقيقي بدل الحلول الترقيعية.
للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” إضغط على الرابط
https://chat.whatsapp.com/KcTcdtSlZ5a0SaZPTZsoiV?mode=ems_copy_c














