
| جوزاف القصيفي |
تسعى الحكومة إلى إقرار ما يُسمّى بخطّة «الفجوة المالية» التي تقوم على مبدأ الشطب والتسديد: إذ اتُفِق على شطب 34 مليار دولار من الودائع، مقابل تسديد 21 ملياراً للمودعين على مدى 5 سنوات.
وكالعادة، أعطونا أرقاماً عامة غير مفصّلة بحسب كل مصرف، وكأنّ هناك إصرار لاعتماد العمومية في الأرقام لتضييع الحقيقة. ونُكرّر أنّ المطلوب الإجابة عن الأسئلة التالية:
• كم كانت الودائع في كل مصرف بالتفصيل والتواريخ وبالليرة اللبنانية والعملات الأجنبية؟
• كم أخذ المصرف المركزي من الودائع، النسبة المسموحة له بالقانون، وأيضاً النسبة التي أُخِذت خارج القانون إذا حصل ذلك؟
• كم أعاد المصرف المركزي منها وفي أي تواريخ؟
• هل أجبرها المصرف المركزي على الاستثمار؟ وبناءً على أي قوانين؟
أمّا في ما يخصّ الشطب، فإنّ اقتراح شطب الودائع هو بدعة وربما سرقة. ونسأل هنا، الشطب لمصلحة مَن؟ ونُشدِّد أنّه لا يجوز شطب أية وديعة، إذا كانت مسروقة فتعود إلى الجهة التي سُرِقت منها.
أمّا الودائع التي يدّعون أنّها بلا أسماء وأنّها أودِعت لصالح أنظمة عربية، فهي ليست من حق لبنان، هذه تعود إلى شعوب البلدان التي نُهِبَت منها عن طريق الحكومات، نتائج شطب مثل هذه الودائع ستكون كارثية على سمعة لبنان: سيفقد البلد ثقة المستثمرين حول العالم، ممّا يعني عزلاً اقتصادياً طويل الأمد.
أمّا الحديث عن شطب الفوائد التي أُعطيت للمودعين في الفترات السابقة، فهو فعلاً مثير للضحك والسخرية في آنٍ واحد. فهل كان المطلوب من المودع يومها أن يطلب تقريراً من طبيب شرعي ليتأكّد أنّ صاحب المصرف «مؤهل» وفي كامل وعيه ويُعطيه هذه الفوائد عن إدراك تام؟
وإذا كان أصحاب المصارف لا يعرفون أنّ تلك الفوائد مبالغ بها ولم يكونوا مدركين لعواقبها، فيجب أن يخضعوا إلى العلاج.
أمّا إذا كانوا يقصدون بها الإيقاع بالمودعين ونصب فخ مالي لهم، فالمصيبة أكبر، فهذا جرم يستحق السجن.
باختصار، هذه الخطط الترقيعية لن توصلنا إلى برّ الأمان، ولا نحتاج إلى الإستدانة في لبنان واتباع شروط صندوق النقد الدولي، فالتجارب تنبّهنا إلى مصير البلدان التي يتبنّاها البنك الدولي (الأرجنتين مثالاً) وخصوصاً أنّ صندوق النقد الدولي لم يعترض على سياسات رياض سلامة السابقة، وتمّ احتضانه وتشجيعه، وبالتالي لننظر إلى مصلحة لبنان الحقيقية ونبدأ بتطبيق ما يلي:
1- إجراء تحقيق علني وشفاف وفتح دفاتر المصارف كل مصرف على حدة، لتحديد المسؤولين ومَن استفاد ومَن اغتنى على حساب الأزمة؟ من دون معرفة الحقيقة الكاملة عمّا حصل ستبقى الحلول مجتزأة وناقصة. وأيضاً مقارنة هذه الحسابات مع حسابات المصرف المركزي وكل تقاريره السابقة.
2- كما ذكرنا في المقال السابق، أن تعيد المصارف حالاً الودائع التي كانت متبقية لديها في تشرين 2019 مع الفوائد المترتبة عليها، من دون التمييز بين ودائع صغيرة وكبيرة. فإعادة الودائع الكبيرة وبعكس ما يُروَّج له، ستُشكّل صدمةً إيجابية للإقتصاد وستعيد المشاريع المنتجة إلى البلد.
3- السماح بافتتاح مصارف جديدة، لأنّ الثقة تدمّرت، ولا تزال، بالنظام المصرفي القديم، ولن يجذب لبنان استثمارات جديدة من دون نظام مصرفي جديد. والإصرار على عدم فتح مصارف جديدة يعني رفض النمو، لأنّ الناس لن تؤمّن للمصارف الحالية.
4- تغيير القوانين القائمة وتعديلها، لتفادي عدم تكرار الكارثة المالية التي حصلت، وإقرار قوانين تُشجّع أصحاب الأموال للمجيء إلى لبنان.
5- أن تبيع الدولة جزءاً من أملاكها التي لا جدوى اقتصادية ببقائها في عهدتها، كأراضي سكك الحديد البحرية، وهذه أصلاً من الضار أن تبقى بعهدة الدولة، حتى لو كان لبنان مزدهراً جداً. كما نقل المرفأ من مكانه لاستثمار أراضيه الشاسعة.
6- الأهم، إقرار فوري وسريع لقانون للشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، لإعادة الثقة بالنظام اللبناني.
إعادة الحقوق، الشفافية، والمساءلة والإنتاج، هي الأساس لإنقاذ البلد وإعادة بناء اقتصاده على أسس سليمة وعادلة.














