بمعزل عن الأسباب التي أدّت إلى تجميد قرار سحب سلاح “حزب الله” أو تعليقه أو ترحيله حتى إشعار آخر، في انتظار ظروف يُصبح معها القرار أكثر قابلية للتنفيذ، دخلَ لبنان اعتباراً من جلسة مجلس الوزراء في 5 أيلول الجاري في حقبة جديدة، جوهرها إعادة تجسير العلاقات على مستوى السلطات السياسية والرسمية، والعمل في الوقت الراهن وفق أجندة جديدة، تتصدّرها أولوية ترسيخ التهدئة الداخلية، وتخفيف التشنّجات السياسية وغير السياسية، التي كادت تنزلق بالبلد في صدام كبير بعد قرارَي الحكومة بسحب السلاح والموافقة على الورقة الأميركية.
وإذا كانت إرادة التهدئة قد نجحت نظرياً بعد 5 أيلول في ترميم العلاقات الرئاسية، وإعادة فتح قنوات التواصل الإيجابي، وخصوصاً بين الرئاسة الأولى و”حزب الله”، ومن دون أن تنسحب الإيجابية على الطريق الذي ما زال مسدوداً وتشوبه التباسات وخلافات جوهرية بين الحزب والسراي الحكومي. وفي اطار هذا التواصل، اعلنت العلاقات الإعلامية في “حزب الله”، أنّ “مستشار رئيس الجمهورية العميد أندريه رحال التقى برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وقد جرى البحث في عدد من المسائل التي تهمّ مصلحة البلاد، وذلك في جوّ من التفاهم المتبادل. إلّا أنّ المناخ الداخلي العام يؤشر – بالإنقسام السياسي العميق واصطفافاته وتبايناته الجوهرية المتحفّزة للإشتباك حول صغير الأمور وكبيرها – إلى أنّ هذه التهدئة موقتة، أو بمعنى أدق هدنة سياسية ومحفوفة باحتمال تعرّضها إلى اهتزاز كبير، ربطاً بما هو مخفي من تطوّرات واحتمالات ووقائع ممتدة من الجبهة الجنوبية إلى الساحة الداخلية، وربطاً أيضاً بالاستحقاق النيابي الذي تلوح في أفقه معركة سياسية حامية الوطيس، وخصوصاً على حلبة قانون الانتخابات النيابية المفتوحة على صراع محتدم بين مكوّنات الإنقسام الداخلي، لفرض تعديلات القانون الانتخابي في الاتجاه الذي يخدم مصالحها ويضمن لها ليس الفوز والمحافظة على الحجم النيابي، فحسب، بل يضمن نيلها الأكثرية النيابية الحاكمة والمتحكّمة في المرحلة المقبلة.
على رغم من انكفاء قرار سحب سلاح “حزب الله” إلى خلف دائرة التركيز على تنفيذه في هذه المرحلة، إلّا أنّ هذا الملف يبقى الأكثر سخونة في المقاربات السياسية والديبلوماسية الداخلية والخارجية التي تتقاطع جميعها على دعم قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيَد الدولة، إلّا أنّها تتوزّع في الوقت نفسه بين الرغبة في إدارة هادئة لهذا الملف ومعالجته بالحوار، وفق ما يؤكّد عليه السفير المصري في لبنان علاء موسى، وبين الرغبة في التنفيذ الفوري لقرار سحب السلاح، التي تُبديها جهات عربية ودولية.
في هذا الإطار، يؤكّد مصدر ديبلوماسي غربي لـ”الجمهورية”، أنّ نزع سلاح “حزب الله” يُشكّل البند الأساس والمتقدّم في الأجندة الأميركية، وينقل عن مسؤول أميركي، جزمهم بأنّ “الوضع في لبنان لن يبقى على ما هو عليه، ونحن نعتقد أنّه مُقبل بالتأكيد على تحوّل جذري ومستقبل واعد. إنّ الحكومة اللبنانية التزمت بمسار لتجريد “حزب الله” من سلاحه، ونعتقد أنّ عليها أن تكمله بإجراءات تنفيذية بصورة عاجلة، والإنتهاء من هذا الأمر الذي يُهدِّد سلام وأمن لبنان وجيرانه. وواشنطن على تواصل دائم مع السلطات اللبنانية، وتؤكّد دعمها الكامل لهذا الإجراء الذي يُجنِّب لبنان الضرر الكبير الذي يُسبّبه سلاح “حزب الله” عليه”.
وضمن هذا السياق، يبرز تقرير لموقع The Observer البريطاني، يعتبر أنّ “حزب الله” ضعف وعُزِل، والحزب كمنظمة عسكرية أصبح شيئاً من الماضي، وعليه الآن مواجهة لحظة الحقيقة، فهو يواجه الآن الخيار الأكثر أهميّة في تاريخه: إمّا نزع سلاحه، أو مواصلة القتال، أو التحوّل بشكل كامل إلى السياسة.
ويخلص التقرير نقلاً عن محلّلين إلى “أنّ مستقبل “حزب الله” قد يُصبح أكثر تركيزاً على السياسة. وكما حدث مع حزب “شين فين” الإيرلندي بعد اتفاق “الجمعة العظيمة”، قد يُحوّل تركيزه إلى المجلس النيابي. فالحزب يُريد تسويةً كريمةً تُعطي انطباعاً بأنّه لا يزال موجوداً. منذ نهاية الحرب، يتحدّث “حزب الله” بانتظام عن تنسيقٍ وثيقٍ مع الجيش. وهذا من شأنه أن يُمهّد الطريق أمام اندماج الجناح العسكري لـ”حزب الله” في القوات الوطنية، بهدوء ورمزية، من دون أن ينطق بكلمة الاستسلام على الإطلاق”.
الحزب: حكي فاضي
في موازاة ذلك، يؤكّد “حزب الله” على اختلاف مستوياته “أنّ كل ما يُحكى عن سحب أو نزع أو تسليم سلاح المقاومة، لا يعدو أكثر من مجرّد “حكي فاضي صادر من أسطوانات مشروخة من الداخل والخارج. من الأساس لم نعتبر قرار سحب السلاح موجوداً، بل هو خطيئة ارتكبتها الحكومة بإملاء أميركي خارجي ودفع من جهات عربيّة وداخلية تريد إحداث الفتنة في لبنان”.
ويُنقل عن أحد كبار المسؤولين قوله: “إنّه لا يعتبر أنّ الأمور قد انتهت في جلسة مجلس الوزراء في 5 أيلول، بل أبقته معلّقاً وعرضة لضغوطات قد تُمارَس من قِبل الجهات نفسها في أي لحظة، لإعادة الدفع به. ومن هنا تأكيدنا المتواصل على الحكومة بأن تتراجع عن خطيئتها وتُصحّح المسار الذي يحفظ بلدنا، وتشرع في التصدّي لضرورات البلد، وأولها ملف الإعمار الذي تهمله قصداً أو تحت الضغط. وكذلك، تأكيدنا المتجدّد للداخل والخارج في آنٍ معاً، بأنّنا لن نسلّم مصيرنا ووجودنا ووجود بلدنا للعدو، وسندافع عن بلدنا وعن سلاح المقاومة ولن نتخلّى عنه حتى ولو اجتمعت كل قوى الأرض علينا. ونحن بكل ثقة وتصميم نؤكّد جهوزيّتنا لكل الإحتمالات”.















