| جورج علم |
اجتماع قادة العالم العربي والإسلامي في الدوحة، بداية تحوّل كبير ضد العصر الأميركي ـ الإسرائيلي.
تصويت 142 دولة في الأمم المتحدة لصالح “حل الدولتين”، تحوّل.
التنديد العالمي بالمجازر الإسرائيليّة في قطاع غزّة، تحوّل.
وتدرك تل أبيب، وقبلها واشنطن، أن القمّة العربية ـ الإسلامية الطارئة في الدوحة لن تعلن الحرب. لن تفعّل الجيوش للمواجهة. لكن وحدة الموقف قد تكون أفعل إذا ما حدّدت الهدف، وأقرنته بالإلتزام.
والهدف، هو إقتناص الفرصة الدوليّة المؤاتية للمضي قدماً في إتجاه الدولة الفلسطينيّة، بحيث تتفق 57 دولة، على خريطة طريق، تدعم المسار السعودي ـ الفرنسي الهادف إلى إيجاد حلّ دائم لأزمة الشرق الأوسط، ومحورها القضية الفلسطينيّة.
إن سياسة المهاتما غاندي الهادئة، قد زلزلت عروشاً، وأرغمت جيش الإحتلال على الإنسحاب. وبهذا المعنى ليس مطلوب من الدول العربيّة والإسلاميّة ما لا قدرة لها عليه. ليس المطلوب من قطر الانسحاب من دور الوسيط، ولا إفتعال أزمة دبلوماسيّة مع الولايات المتحدة. ولا المطلوب من الدول العربيّة “المطبّعة” الإنقلاب على “الاتفاق الابراهيمي”، وسحب السفراء. لكن المطلوب مواكبة التحوّل في مواقف الدول عن الغطرسة الأميركيّة ـ الإسرائيليّة، التي لا تقيم وزنا للقوانين، والنظم، والأعراف الدوليّة.
لقد وفّر العدوان الإسرائيلي على الدوحة، الفرصة المؤاتية أمام قادة الدول العربية والإسلاميّة للتلاقي في قمّة طارئة، والتعاطف مع قطر، والخروج بموقف داعم لخريطة الطريق السعوديّة ـ الفرنسيّة بإتجاه الدولة الفلسطينيّة.
وقد تسمح كَوْلَسات القمّة بطرح أسئلة مقتبسة من العدوان الاسرائيلي على الإمارة الخليجيّة.
الأول: تستضيف قطر أكبر قاعدة عسكريّة أميركيّة في الخليج. فهل كانت على علم بالهجوم؟ إذا كانت كذلك، وسمحت به، فهذه مصيبة. وإذ لم تكن تدري، فالمصيبة أعظم.
وهنا يجوز الإستفسار، لماذا لم يطبّق الإتفاق الدفاعي المبرم ما بين قطر والولايات المتحدة؟ ولأي هدف وغاية وجود هذه القاعدة العسكريّة الكبيرة فوق التراب القطري؟ وما هو دورها في قطر، والمنطقة؟ وماذا لو أخطأ أحد الصواريخ الإسرائيليّة هدفه، وسقط في أرجائها؟
الثاني: هل كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب على علم مسبق بالعدوان؟ وهل سمح به ضد دولة حليفة، لها إستثمارات واسعة داخل الولايات المتحدة، وتقوم بوساطة للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى “حماس”، والسعي إلى وقف حمّام الدم في غزّة؟ ثم ما هو الهدف الأبعد المرتجى من وراء هذا العدوان؟
الثالث: إن ترامب هو من طلب من قطر إستئناف الوساطة، وتفعيل المساعي الدبلوماسيّة للوصول إلى تسوية في غزّة. وبالتالي فإن الإعتداء الإسرائيلي الذي أمر به بنيامين نتنياهو على الدوحة، إنما استهدف مبادرته، قبل أن يستهدف الدوحة. فكيف يقبل أن تغتال “إسرائيل” مبادرته؟ وكيف يمكن القبول بهذه “الإزدواجية الأميركيّة” الطافحة بالعيوب والمآخذ؟
لقد فضح وزير الخارجيّة الأميركي ماركو روبيو المستور، وقالها صريحة: “إن الولايات المتحدة، ورغم العدوان على الدوحة، ملتزمة بدعم إسرائيل”!
أبعد من ذلك، حاول ترامب القفز على حبل المتناقضات. تارة يقول إنه أخذ علماً من “إسرائيل” بالعدوان قبل حصوله، وأعطى الموافقة. وتارة أخرى يقول إنه أخذ علماً بعيد حصول العدوان. ومرّة ثالثة يقول إن العدوان على قطر ما كان يجب أن يحصل”!
لقد بادر إلى استيعاب الغضب القطري، وتنفيس أجواء الإحتقان قبيل انعقاد القمة الطارئة، لتعطيل مفاعيلها. إتصل بالأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني. وإستقبل رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني على مأدبة عشاء إستمرت ساعتين، بعيد إجتماع الأخير مع نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الخارجيّة ماركو روبيو.
وأُعلن رسميّاً بأن المحادثات قد تناولت “دور قطر كوسيط في المنطقة، والتعاون الدفاعي”. ووصف ترامب الإجتماع الذي حضره مبعوثه ستيف ويتكوف بـ”الرائع”. وأضاف: “كان إيجابيّاً جدّاً”. إلاّ أن وسائل إعلام أميركيّة لم تتحدّث عن “إيجابيّة”، بل تحدثت عن “واقعيّة”، ووصفت الإجتماع بـ”المحاولة الهادفة إلى إستيعاب الغضب القطري من الموقف الأميركي، ومن تقاعس القاعدة العسكريّة في “عيديد”، وعدم الإضطلاع بمسؤوليتها في صدّ الهجوم، والدفاع عن السيادة القطريّة، وفق الإتفاق الأمني – الدفاعي”. وأوفد ترامب بعد الاجتماع، وزير خارجيته إلى تل أبيب في محاولة لرأب الصدع.
قد تنجح واشنطن في تنفيس الإحتقان، لكن العالم قد ضاق ذرعاً، ليس من الإعتداءات الإسرائيليّة، بل أيضاً من سياسة “أميركا أولاً”، والقائمة على الحروب الاقتصاديّة والضرائبيّة والجمركيّة، التي أفقدت العالم توازنه الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي، والمعيشي، فضلاً عن دبلوماسيّة العجرفة والفوقيّة التي يمارسها ترامب وإدارته على غالبيّة الدول، سواء أكانت صديقة وحليفة، أو عدوّة، فضلاً عن
المواقف المزاجيّة المتقلّبة، والطافحة بعقد التوسّع، ومطامع الهيمنة.
لن تدفع القمّة الطارئة بقطر إلى الخروج عن “بيت الطاعة”، لكن التحوّل على الصعيد الاقليمي والدولي، يماثل نهر غضب جارف ضد الهيمنة الأميركيّة ـ الاسرائيلية، لا تثنيه تهديدات، ولا ممارسات فوقيّة.
لقد تحوّلت “أميركا أولاً”، إلى عبء. لا يمكنها أن تفرض نظاماً آحاديّاً على العالم، قائماً على التهديد والوعيد، مستنداً إلى فرط القوّة، وهوس السيطرة.
التحوّل الدولي ضد هذه السياسة قد بدأ، ربما بأكلاف باهظة، وعلى القمة العربية ـ الإسلامية، أن تقتنص الفرصة، وتلتحق بمسار التحوّل، وتسعى إلى دعمه ومساعدته على تحقيق دولة فلسطينيّة. إن هذا الإنجاز ـ في حال حصوله ـ يعني اطلاق رصاصة الرحمة على مشاريع نتنياهو التوسعيّة، وأحلامه التوراتيّة في تحقيق “إسرائيل الكبرى”…














