| حيدر خليل |
العدوان الإسرائيلي الذي استهدف قادة “حماس” في قلب الدوحة، ليس مجرد عدوان عسكري، إنه صفعة مباشرة في وجه كل من صدّق أن التطبيع سيحميه أو أن الصمت سيُكسبه أمنًا. وبينما سارعت قطر إلى الدعوة لعقد قمة عربية وإسلامية طارئة، كانت بقية دول الخليج تختبئ خلف بيانات باردة لا تجرؤ على تجاوز عتبة التنديد.
فلتُسمَّ الأشياء بأسمائها: الإمارات، البحرين، والمغرب فتحت أبوابها علناً أمام “إسرائيل”، وهناك بين المحيط والخليج مَنْ فتحها سرّاً، وبَنَت معها مصالح اقتصادية وعسكرية، وكأن دماء غزة لا تخصّها. السعودية تمضي في سياسة المواربة، فيما الكويت وقطر تحاولان إبقاء شعرة الكرامة الدبلوماسية. أما البقية فقد ارتضوا أن يكونوا وكلاء واشنطن، يسايرونها في كل صغيرة وكبيرة، حتى لو كان الثمن القدس وغزة وكل فلسطين.
هذا الموقف ليس جديدًا، لكنه صار فجًّا أكثر بعد موجة “اتفاقيات إبراهيم”. التطبيع حوّل الدول المرتبطة به إلى أسرى مصالح اقتصادية: مليارات من الاستثمارات المشتركة، اتفاقيات في الطاقة والتكنولوجيا، وصفقات سلاح. أصبح العدو شريكًا، والمقاومة عبئًا، وفلسطين مجرد بند ثانوي يُستحضر للزينة الإعلامية.
لكن السؤال الجوهري: إذا لم تحرك محاولة اغتيال قادة فلسطينيين على أرض عربية ساكنًا، فهل ينتظرون أن يقصف العدو أبواب قصورهم حتى يتحركوا؟ أليس في قطع العلاقات، وإغلاق السفارات، ووقف التبادل التجاري، أقل ما يمكن فعله؟ أم أن عقود الغاز مع “إسرائيل” أغلى من دم الفلسطينيين؟
الحقيقة المُرّة أن دول التطبيع لا ترغب بمواجهة “إسرائيل” سياسيًا. يملكون المال، السلاح، النفوذ في الأسواق العالمية، لكنهم يفتقدون الشجاعة. كل ما يفعلونه هو التلويح بخطابات الرفض والاستنكار، ثم يصافحون سفراء كيان الاحتلال في الحفلات الفاخرة.
التاريخ لا يرحم. الشعوب العربية تعرف أن فلسطين ليست للبيع، وأن المقاومة لم تُهزم رغم كل التواطؤ.
سيأتي يوم يُسجَّل فيه أنه بدل أن يقطع المطبّعون العلاقات ويضغطون على “إسرائيل”، فضّلوا التجارة معها على نصرة القدس وغزة. يومها سيقال: خانوا فلسطين، واختاروا الهروب إلى التطبيع.
