رياض سلامة

“مسرحيّة” الدولار وتعميم “غب الطلب”.. هل يُسدّد سلامة “الفاتورة” السياسية؟

/محمد حمية/

نسي اللبنانيون ضجيج السجالات السياسية حول استحقاق انتخاب رئاسة مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، وتسمّروا على وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة وقائع “بورصة الدولار”، والارتفاع التدريجي لسعر الصرف وفق التطبيقات الالكترونية المتعددة، “الأبليكايشن” التي أضحت “المرجع الصالح” لمعرفة أسعار واتجاهات “الدولار”.

ودارت وقائع حركة الدولار وفوضى السوق، وأنين وآلام وصراخ المواطنين طيلة الأسبوع الجاري، على مرأى ومسمع مصرف لبنان وحاكمه ومجلسه المركزي، ورئيس الحكومة ووزرائه، والأجهزة الرقابية ـ القضائية والأمنية، من دون أن يحركوا جميعهم ساكناً!

ومع بلوغ الدولار معدلات قياسية بخط سير قد يلامس الأربعين ألفاً، كان رياض سلامة يراقب عن كثب، من مكتبه في مصرف لبنان، كل المشهد، ليتحين اللحظة المناسبة للتدخل وبالوسيلة المعهودة أي تعاميم “غُب الطلب”.

أشبه بالمسرحية تابعها المواطنون، من مختلف فئاتهم العمرية والمهنية والوظيفية، جمعت كل عناصر الإثارة.. الخوف والرعب والتشويق و”الأكشن” وحرق الأعصاب، لانعكاس سعر الصرف على مختلف جوانب ومفاصل الحياة المعيشية وحركة النشاط الاقتصادي اليومية. فكيف يبدأ سعر الصرف بالارتفاع أكثر من ألف ليرة يومياً فور الإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية ليبلغ عتبة الـ38 ألف ليرة أمس؟ ولماذا لم يتدخل حاكم مصرف لبنان إلا بعد أسبوع؟ وإذا كان سلامة تمكن عبر تعميم “غب الطلب” وتفسير الماء بالماء، عبر استنساخ التعميم 161 نفسه بصياغة معدلة، من لجم “الدولار” وكسره عشرة ألاف ليرة ضربة واحدة خلال ساعة واحدة.. فلماذا لم يتدخل قبل أن يبلغ الدولار هذا السقف؟ فهل كان سلامة شريكاً برفع سعر الصرف بشكل متعمد لإعادة خفضه، لتسديد أثمان سياسية مطلوبة منه؟

لم يعد خافياً، وفق مصادر مطلعة، أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو “المايسترو” المتحكم بلعبة الدولار، وحكم وحاكم “ملعب” التجار والمضاربين والصرافين الشرعيين وغير الشرعيين، فهو يتمتع بصلاحيات واسعة وفق قانون النقد والتسليف، ويملك الأدوات المالية والنقدية لضبط سعر الصرف رغم تقلص الاحتياطات في “المركزي” الى ما دون 11 مليار دولار، لكنه يستطيع عبر التعاميم أن يفرض على المصارف التقيد بحجم التداول بالدولار من التجار والمستوردين، وضبط سوق الصرافة والقطع، والإيعاز للأجهزة الأمنية بضبط الصرافين غير الشرعيين…

إلا أن تتبع وقائع الأيام القليلة الماضية، يُظهر خفايا توقيت تدخل سلامة والأسباب:

* اكتفى سلامة بمراقبة فوضى سوق الصرف والسوق المالي وسوق الاستهلاك وضياع التجار وتخبط المواطنين، ولم يتدخل، إلا بعد يومٍ واحد على دعوة الرئيس نبيه بري مجلس النواب الى جلسة لانتخاب الرئيس ونائبه وهيئة مكتب المجلس! فهل تدخل سلامة بناء على طلب سياسي لبث أجواء الطمأنينة في السوق لتمرير استحقاق الانتخاب، كي لا ينفجر الشارع وتطال شظاياه مجلس النواب وتتعطل جلسة الانتخاب؟

* قبل يومين من الانتخابات النيابية، تم إخلاء سبيل شقيق الحاكم رجا سلامة مقابل كفالة 100 مليار ليرة نقداً، إضافة الى الحجز على 40 عقاراً ومنع سفر، وذلك بعد تجاوز مدة توقيفه الشهرين.

* قرار قاضية التحقيق في جبل لبنان آرليت تابت إرجاء جلسة استجواب رياض سلامة إلى 15 كانون الأول المقبل، بدلاً من إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، خصوصاً أنها المرة الرابعة التي يتخلف فيها عن الحضور رغم إبلاغه أصولاً بموعد الجلسة، في الدعوى المقدَّمة من تحالف “​متحدون” ومجموعة “روّاد العدالة” ضد رياض سلامة، بجرائم النيل من مكانة الدولة المالية والاختلاس وإساءة استعمال السلطة، ومخالفة الأحكام العامة لقانون النقد والتسليف.

* إحالة المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون إلى المجلس التأديبي، ما يعني تجميد عمل القاضية عون، وكف يدها مؤقتاً عن ملف الملاحقة القضائية لسلامة حتى إشعار آخر.

تجمّع وتزامن هذه الوقائع، ليس محض صدفة.. بل يرسم صورة أوضح لما جرى خلال الأسبوع الماضي، ويظهر أن تدخل سلامة للجم الدولار جاء بعد يوم واحد على تحديد موعد الجلسة النيابية، و24 ساعة على إرجاء استجواب سلامة وإحالة عون على المجلس التأديبي وكف يدها، وحوالي أسبوعين على إخلاء سبيل شقيقه رجا سلامة!

هل يسدّد حاكم مصرف لبنان “فاتورة”، كدفعات على الحساب السياسي ـ القضائي مع “الحاكمين” بأمر البلد؟

وهنا، يمكن القول إنه غاب عن بال اللبنانيين ثلاثة حقائق:

الأولى، أن سلامة يدفع ثمن ديونه، ويطفئ حساباته السياسية من أموال المودعين.

الثانية، أن حساب سلامة لم يُقفل بعد، بل سدد دفعة على الحساب وبقي الكثير.

أما الثالثة، فهي أن اللبنانيين سيكتشفون خلال وقتٍ قصير أن تعميم سلامة ليس سوى مناورة مؤقتة، وفقاعة صابون، و”إبرة مورفين”، وسيعود الدولار إلى تفلّته من عقاله وفلتانه وجنونه، وسيأكل اللبنانيون الضرب مرة بعد مرة، ويلحسون المبرد، ليعود سلامة ويكرر “مسرحية الدولار”، ويسدّد ديونه الأخرى من ودائعهم وجيوبهم.