تشارلي كريك ليس مجرد ناشط سياسي أميركي محافظ كما يحب أن يقدّم نفسه، بل هو أحد أبرز رموز اليمين المتشدد الذي يغلّف خطابه بالشعارات الدينية والأخلاقية ليخفي وراءها نزعة إقصائية متطرفة. ما يطرحه لا يقتصر على نقاش فكري أو اختلاف سياسي، بل يتجاوز إلى تحريض واضح على الكراهية وتبرير للظلم، سواء في الداخل الأميركي أو على مستوى القضايا الدولية.
في ملف الإجهاض، يمثّل كريك الوجه الأكثر قسوة وتشدداً. هو لا يكتفي برفض الإجهاض بشكل عام، بل حتى في أقسى الحالات وأكثرها مأساوية.
في نظره، الاغتصاب أو سفاح القربى لا يبرران إنهاء الحمل، وكأن المرأة ليست سوى وعاء يُجبر على الاستمرار بالمعاناة. هذه القسوة المجرّدة من أي إنسانية تحوّل كريك إلى رمز للتطرف الذي لا يرى في المرأة إنساناً كاملاً له حقوق، بل أداة خاضعة لسلطة الذكور والدين والسياسة.
أما في ما يتعلق بفلسطين، فقد أظهر كريك ولاءً مطلقاً للمشروع الصهيوني، حتى وهو يشاهد العالم كله صور المجازر ودماء الأطفال تحت الركام. لا يتردد في وصف المقاومة بالوحشية، بينما يبرّر للإسرائيليين كل آلة القتل والتدمير، مكرراً الخطاب الممجوج عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
في الحقيقة، ما يفعله هو تبييض للجرائم وتغطية على إبادة جماعية تُرتكب بحق شعب أعزل. دعمه الأعمى لـ”إسرائيل” لا ينبع من منطق سياسي فحسب، بل من قناعة ايديولوجية تعتبر الاحتلال امتداداً لما يسميه “الحضارة الغربية” في مواجهة الشرق المسلم والعربي.
عداؤه للمسلمين والعرب لم يعد يحتاج إلى تفسير. فقد صرّح علناً أن “الغالبية العظمى من المسلمين يعيشون في القرون الوسطى”، ووصف استقبالهم في الغرب بأنه “انتحار ثقافي”.
هذه اللغة ليست مجرد رأي قاسٍ، بل خطاب كراهية يضع مليار ونصف مسلم في خانة التخلف والخطر، ويشرعن النظرة الاستعمارية القديمة التي ترى في الآخر مجرد تهديد يجب إقصاؤه أو سحقه.
حتى عندما واجهه طلاب فلسطينيون مسيحيون، لم يتردد في إظهار خوفه المبالغ فيه من السير في بيت لحم بلا حراسة، وكأن المدينة وأهلها مصيدة موت، ما يعكس عقلية عنصرية مغلقة على صور نمطية بغيضة.
تشارلي كريك إذاً ليس مدافعاً عن القيم كما حاول الإعلام الغربي تصويره عقب مقتله، وقوفه ضد الشذوذ الجسني، لا يعطيه صك الانسانية، بل انها محاولة للتلطّي خلف بعض الشعارات التي قد تجذب المتفقين معه، لأنه لا يعدو كونه جزء من ماكينة متطرفة تسعى لإعادة العالم إلى ثنائية قاتلة: نحن مقابل هم، الحضارة مقابل البربرية، الغرب الأبيض مقابل الشرق المسلم – الأسمر. خطابه ضد النساء، دعمه الأعمى للإبادة بحق الفلسطينيين، وتعصبه الأعمى ضد المسلمين والعرب، كلّها تؤكد أنه ليس سوى وجه آخر من وجوه اليمين المتوحش الذي يغذّي الكراهية ويشرعن الاستبداد.














