“حرب الدولار” تُنذر بالانفجار.. ما هي الأسباب والأهداف؟

/محمد حمية/

يواصل سعر صرف الدولار تجاوز الخطوط الحمر وتحطيم الأرقام القياسية، بوتيرة مرتفعة، ومن دون رادع، وسط حال من القلق والذهول تُخيّم على المشهد الداخلي والمواطنين الذين يتابعون ويترقبون، لحظة بلحظة، حركة الدولار، لانعكاسه المباشر على حياتهم اليومية والسلع الحيوية، كالمحروقات والمواد الغذائية وغيرها، وفي ظل غياب تام للحكومة والأجهزة الأمنية والرقابية.

الصعود السريع للدولار يُظهر “الإدارة” المنظمة والمدروسة والموجهة، من جهات نافذة تمتلك مفاتيح اللعبة المالية والنقدية، على وقع التطورات السياسية والصراع السياسي بين القوى الداخلية، المترافق مع ضغط دولي غير مسبوق. وبالتالي إن هذا الارتفاع الدراماتيكي في العملة الخضراء ليس بفعل العوامل المالية والاقتصادية الطبيعية التي تؤثر بالسوق فحسب، بل المؤكد، وفق مصادر معنية، وجود غرفة عمليات داخلية ـ خارجية تتحكم بسوق الصرف وفق التوجهات والحاجة السياسية.

ما يدعو للتساؤل: هل بات الدولار بلا سقف وضوابط، وقد يكسر عتبة الأربعين ألف ليرة وربما الخمسين؟ وهل هو مقدمة للانفجار الاجتماعي والأمني الكبير؟ وما علاقة الصراع السياسي الداخلي والضغط الخارجي على لبنان؟ وهل تجددت “حرب الدولار” وأصبحت الحاكمة والمتحكمة في المشهد، وستواكب مختلف الأحداث والاستحقاقات؟

أين يقف الخبراء الماليون والاقتصاديون بين الرؤيتين: الأولى أن الدولار يتأثر بالعوامل السياسية والمناخ العام في البلد، وبالتأثيرات الإقليمية – الدولية. والثانية تعزو السبب للانهيار الاقتصادي والمالي، كنتيجة حتمية للأزمة اللبنانية منذ عقود؟

يُعدد خبير اقتصادي، عبر موقع “الجريدة”، مجموعة من الأسباب التي تقف خلف الارتفاع الجنوني بسعر الصرف وانهيار الليرة اللبنانية، أولها انتهاء مفاعيل الاتفاق السياسي الذي تم للجم سعر الصرف لتمرير الانتخابات النيابية، وانتظار انفراجات إقليمية ـ دولية علها تنعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي في لبنان، لكن بعد الانتخابات ازداد الغموض في التعامل مع المرحلة المقبلة ومع التوازنات التي أفرزتها الانتخابات لجهة تشكيل الإدارة المجلسية الجديدة، فضلاً عن ضبابية تُظلّل الاستحقاق الحكومي، مع تبشير مسؤولين أميركيين بفراغ حكومي طويل سيُلاقي الفراغ المتوقع في رئاسة الجمهورية بعد أشهر قليلة.

ولا يمكن اغفال الضغط الأميركي المستمر على لبنان، وتمديد مفعول الحصار والعقوبات المالية والاقتصادية، في اطار الضغوط القصوى مع وصول باخرة الحفر عبر “قناة السويس” نحو فلسطين المحتلة لبدء التنقيب عن الغاز في حقل “كاريش” خلال أسبوعين، لدفع لبنان إلى التنازل في ملف ترسيم الحدود البحرية.

ويضيف الخبير الى هذه الأسباب، وجود أزمة بنيوية فعلية في الاقتصاد اللبناني منذ عقود، مع الاستنزاف المستمر لحجم الاحتياط بالدولار في مصرف لبنان.

وفي سياق الحصار الخارجي، يعرب الخبير عن تخوفه من أن يكون أحد أهداف رفع سعر الدولار، هو الفوضى، الداخلية لضرب الموسم السياحي لمنع دخول “الفريش دولار” الى لبنان، فضلاً عن ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً بنسبة 30 ـ 40 في المئة، ما رفع أسعار الطحين والمحروقات.

ويشير الخبير الى عدم فعالية “منصة صيرفة”، كونها شبه متوقفة ولا تعمل أكثر من نصف ساعة خلال اليوم، وأيضاً القرارات الحكومية الأخيرة الخاطئة في التوقيت والنتائج. ويوضح أن “الخطورة ليست بالسعر الذي قد يصله الدولار، بل بالمدة الزمنية لهذه الأزمة، في ظل احتمال الارتفاع العالمي بأسعار الطاقة والمواد الغذائية، ما يهدد الأمن الغذائي، وبالتالي لا إمكانية لاستيراد الحاجات الأساسية وإن توافر الدولار في البلد.

ويرى الخبير أن الانهيار نتيجة حتمية لغياب الحلول للأزمة، وفق خطط واضحة منذ اندلاع الأزمة في 17 تشرين 2019.

ويوجه الخبير نصيحة للبنانيين بعدم صرف الدولارات التي بحوزتهم إلا ضمن حاجتهم اليومية، لكي لا يدفعوا الثمن لاحقاً، لافتاً الى حجم المضاربة الكبير في السوق المرتبط بالوضع السياسي، فالقرار السياسي الذي يضغط لرفع الدولار يستطيع خفضه. ويميز الخبير بين فترة ما قبل الانتخابات، حيث كان القرار السياسي يضغط للجم الدولار، وما بعدها حيث أصبح القرار السياسي مكبلاً بجملة استحقاقات كبرى، لا سيما ترسيم الحدود واستخراج النفط والغاز وشكل الحكومة المقبلة، ولاحقاً رئاسة الجمهورية. لذلك فإن الدولار هو عامل رئيسي بكل الملفات السياسية والاقتصادية والسيادية في لبنان، للضغط على الدولة وقوى سياسية ترفض التنازل عن حقوقها.

ويضيئ الخبير على نقطة أساسية، هي دور المصارف في أزمة الدولار، حيث تحولت إلى شريك مضارب في “سوق الصرف السوداء”، كأداة للضغط على الحكومة بسبب معارضتها خطة التعافي المالي التي أقرتها الحكومة، إذ ترفض المصارف أن يتحمل رؤساء مجالس إداراتها أي مسؤولية في عملية توزيع الخسائر.. لأنه وفق نظام المصارف العالمي، فإن أي أزمة مالية ـ مصرفية أو حالة افلاس، فإن الذين يديرون أموال المودعين يدفعون الثمن الأكبر، لا المودعين.

ولا يمكن تغييب دور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفق الخبير، وعدم شفافية الحاكم بالكشف عن حجم الاحتياط والموجودات والحسابات في “البنك المركزي”، بموازاة رفضه التدقيق الجنائي وخطة التعافي وتوزيع الخسائر بشكل عادل. فضلا عن استخدام الحاكم “الدولار” كسلاح لمواجهة القضاء الذي يلاحقه بملفات فساد. لكن الخبير يرى أن قدرة مصرف لبنان في التأثير بسوق الصرف، تتقلص في ظل غياب أي إصلاحات مالية اقتصادية جدية تقوم بها الدولة عبر مجلسي النواب والوزراء، ما يعني أن “المركزي” سيستمر باستنزاف رصيد أموال المودعين.

وعلاوة على ذلك، يلفت الخبير الى الخلاف الحاد حول توزيع خسائر الفجوة المالية البالغة 73 مليار دولار، وكيفية معالجة الأزمة عبر بيع أصول الدولة أو إدارتها. وتساءل: هل المصارف التي فشلت بإدارة ودائع الناس، ستنجح بإدارة مرافق وأصول الدولة؟ ويستبعد الخبير نجاح أي حلول اقتصادية ومالية، من دون إيجاد الغطاء السياسي لها، عبر تسوية سياسية داخلية وخارجية تشق طريق الانفراج المالي والاقتصادي في لبنان، ويرى أن التسوية مؤجلة حتى تحديد دور لبنان الاقتصادي في المنطقة، وموقعه السياسي، ما يعني استمرار حالة التخبط والفوضى والانهيارات والتوترات الى أجل غير مسمى.

ويحذر الخبير من أن يكون هدف كل هذه الضغوط جر لبنان الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي “مزلط”، أي مجرد من أوراق القوة.