/ هبة علّام /
لم تنته بعد تداعيات نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن، ولا تزال القوى السياسية التي خاضت المعركة تتناحر وتتفاخر في نتائجها.
وحده الرئيس الأسبق سعد الحريري بقي مع الجمهور المتفرّج، يراقب مدى التزام قاعدته الشعبية بقراره، ويحسب النقاط التي خسرها وربحها.
بعد قراءة نسب الاقتراع في الشارع السنيّ والنتائج المنبثقة عنه، يمكن القول أن الحريري كسب شخصياً، وخسر صورة تيار “المستقبل” الشاملة لسنّة لبنان.
الأكيد أن الحريري حقّق مكاسب، على المستوى الشخصي وعلى مستوى الزعامة السنيّة، على الرغم من أن نسب التصويت جاءت بخلاف التوقّعات، فهي انخفضت نسبياً وليس بشكل كبير، لكنها بقيت دون المستوى نسبةً إلى انتخابات 2018. لذلك لا بد من قياس ما حققه الحريري بمقاطعته من خلال النتائج التي أظهرتها هذه الانتخابات.
وبحسب أوساط متابعة، فإنّ رئيس تيار “المستقبل” اليوم، ارتاح عملياً من خصومه السياسيين على خط زعامة الشارع السنيّ.
وبالرغم من أنه كان يتوقّع أن يستجيب شارعه للمقاطعة أكثر، إلا أن النتائج جاءت على يبدو كما تشتهي سفنه. وكل المال الانتخابي الذي صُرف بكمية ضخمة في الشارع السنيّ، لم يؤت ثماره بما يوازي حجم الإنفاق. وعلى عكس إرادة السعودية التي عملت جاهدة على كسر قرار المقاطعة وكسر زعامة الحريري في الحياة السياسية، إلا أن نسبة الاقتراع بقيت متدنية.
وترى الأوساط أن تغيّر المزاج السنيّ، ذهب باتجاه القوى التغييرية التي حازت على جزء لا يُستهان به من أصواتهم، وهذا ما كان متوقعاً، إذ أنّ الهدف من إبعاد الحريري كان لافساح المجال أمام قوى المجتمع المدني للدخول إلى البرلمان، لذلك كانت المقاعد التي حصل عليها “التغييريون” في المناطق ذات الحضور “المستقبلي”، بإرادة دولية وإقليمية ترى ضرورة إبعاده عن الصورة من أجل إحداث هذا الخرق.
فالرئيس فؤاد السنيورة لم يتمكّن من الحصول ولو على مقعد واحد، فيما النائب فؤاد مخزومي، وبالرغم من الأموال التي صرفها في بيروت، لم يتمكن من تحقيق حاصلين و”نفد بريشه”. كذلك الأمر بالنسبة للنائب السابق مصطفى علوش. وحده النائب أشرف ريفي حقق نجاحاً نسبياً، لكن بالمقابل كانت نسبة الاقتراع في طرابلس متدنية جداً.
بالمقابل، حقق حلفاء الحريري، وحيث دعم لوائحهم على عكس قرار المقاطعة، مكاسب انتخابية، كالنائب وليد البعريني ومن معه في عكار، وأحمد الخير في المنية على حساب عثمان علم الدين الذي صعد في مركب تحالف “ريفي ـ القوات اللبنانية”، وعبد العزيز الصمد على حساب سامي فتفت الذي صعد في مركب لائحة علوش المدعومة من السنيورة، ومحمد القرعاوي في البقاع الغربي حتى ولو لم يفز شخصياً إلا أنّه تمكن من تأمين حواصل للائحة.
على المقلب الآخر، جزء من المقترعين السنّة صوتوا لـ “القوات اللبنانية”، كما حصل في زحلة، والجزء الأكبر ذهبت أصواته للائحة النائب ميشال الضاهر، فيما حصدت قوى 8 آذار دعماً سنياً في هذه الدائرة، وحقّقت تقدماً في بيروت الثانية.
وتشير الأوساط نفسها إلى أنّه فعلياً، يحظى الرئيس الحريري اليوم بـ 8 إلى 9 نواب من أصل 27 نائباً سنياً، هم وديعة له داخل المجلس من دون أن يخوض الانتخابات، وهذا يُعد إنجازاً يُحسب له.
لكن بالرغم من كل تلك المعطيات، تشير الأوساط إلى أنّ الحريري لن يعود إلى المشهد السياسي إلا بتسوية شاملة، لاسيما وأن الفيتو السعودي ما زال قائماً، والسفارة حاولت جاهدة أن تُخرج زعيماً سنياً جديداً من خلال هذه الانتخابات، لكنها لم تفلح في ذلك، باستثناء ما حقّقته عبر بعض وجوه المجتمع المدني والتي لا تؤثّر أصلاً في المعادلة.
صحيح أن تشتّت الأصوات السنيّة من المقترعين، ومقاطعة جزء من الناخبين، جاء لمصلحة الحريري في مواجهة خصومه من البيت الواحد، إلا أن الطريقة التي توزّعت فيها الأصوات تشير، بحسب الأوساط المتابعة، إلى أن جمهور تيار “المستقبل” بات شبه مفكك، بعدما اختار بعضهم المقاطعة، فيما تمكّن المال الانتخابي من حصد أصوات الكثيرين وتغلغل إلى العديد من المفاتيح الانتخابية للتيار الأزرق.