| غاصب المختار |
أدخلت الحكومة نفسها، ومعها البلد، في قرار متسرّع بلا ضوابط وأسقف، بإقرار نزع سلاح المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي من دون أي بدائل تحمي الأرض من أي اعتداء، لا سيما الاعتداءات الاسرائيلية التي لم تتوقف منذ سبعينيات القرن الماضي، واتخذت أكثر من مرة حجم الاجتياحات الواسعة للأراضي اللبنانية وصولاً إلى سنة 1982 عند احتلال العاصمة بيروت والقصر الجمهوري في بعبدا، وهو أحد أبرز رموز السيادة الوطنية وسلطة الدولة. وقد جاءت وثيقة الوفاق الوطني في اتفاق الطائف لتكرس حق لبنان بالدفاع عن نفسه وتحرير أرضه بكل الوسائل، وسمّت الاحتلال الاسرائيلي بالإسم.
صحيح أن دستور لبنان، بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني واتفاق الطائف عام 1990، لا يتضمن بشكل خاص وحرفي نصّاً على “حق لبنان في الدفاع عن النفس وتحرير الأرض” كعبارة صريحة، بل تم تكريس هذه الحقوق القانونية المحلية والدولية ضمن اتفاق الطائف، الذي يُعدّ مرجعاً دستورياً أساسياً، والذي يشدد على “حق لبنان في الدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، إضافة إلى ضرورة إقرار استراتيجية وطنية لتمكين القوات المسلحة الشرعية لتحقيق هذا الهدف”، لأن الاحتلال الاسرائيلي كان لا يزال جاثماً على أجزاء واسعة من الأراضي اللبنانية الجنوبية.
كما أن عبارة بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وتسليم السلاح الواردة في وثيقة الوفاق الوطني، كان المقصود بها سلاح الميليشيات المتحاربة، ولذلك تقرر سحب السلاح وتسليمه للدولة، وهو ما حصل، حيث سلمت الأحزاب المتقاتلة الأساسية وقتها: حركة “أمل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” و”القوات اللبنانية”، السلاح الثقيل والمتوسط إلى الدولة بعد إعادة توحيد الجيش على يد الرئيس آميل لحود عندما كان قائداً للجيش. وبعد إعادة تنظيم القوى الأمنية الأخرى.
بهذا المعنى، كان واجباً دستورياً على الحكومة أن تضع استراتيجية وطنية دفاعية من ضمنها كيفية الاستفادة من المقاومة الشعبية وسلاحها، قبل أن تتخذ قرار نزع السلاح من دون أسبقية وضع البديل الوطني المناسب لتحرير الأرض التي أعاد الكيان الاسرائيلي احتلالها عام 2024 بعد انتهاء الحرب.
وللتذكير، فإن المادة الثانية من الفصل الأول من الدستور تنص على أنه “لا يجوز التخلي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه”. بينما تنص المادة الثالثة على “لا يجوز تعديل حدود المناطق الإداریة إلّا بموجب قانون”. بهذا المعنى فإن الحكومة تخلت بقرارها عن مادتين دستوريتين بإطالة زمن الاحتلال والتخلي عن مناطق جنوبية موزعة على أكثر من منطقة إدارية، ظنّاً منها أن الحل الدبلوماسي والتفاوض، ولو عبر وسيط، كفيل بتحرير الأرض، وهو ما لم يتحقق منذ عشرة أشهر تاريخ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، والذي رعته الدولتان الصديقتان للبنان الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة عبر قواتها المتواجدة في الجنوب. ويبدو أن زمن الاحتلال الجديد سيطول طالما أن الدولة اللبنانية تخلّت عن أبرز عناصر القوة لديها، وطالما أن ورقة القوة بيد الاحتلال وحليفته أميركا.
ويرى كثيرون أنه كان الأجدى بالدولة اللبنانية الاحتفاظ بورقة المقاومة حتى التحرير، ولو من باب التلويح بها وليس بالضرورة استخدامها، لكانت قد تغيرت الكثير من ظروف الضعف والهوان التي تتحكم الآن بالقرار اللبناني الرسمي خلال التفاوض من موقع الضعف، بينما استخدمت الدولة اتفاق الطائف بطريقة خاطئة ومحرّفة، وفي التوقيت الخطأ!
للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” إضغط على الرابط














