| جورج علم |
يأخذنا المشهد الأوكراني نحو تقاسم الجغرافيا، طبقاً لتقاسم النفوذ ما بين روسيا والولايات المتحدة، مع حفظ الوجه للإتحاد الأوروبي.
ويأخذنا المشهد اللبناني إلى “نيو أوكراني” مصغر، وتقاسم نفوذ ما بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” وإيران وبعض الإتحاد الأوروبي.
وما بين المشهدين تشابه:
• الرئيس دونالد ترامب فرض نفسه كحَكَم لحلّ الأزمة الأوكرانيّة. دونالد ترامب يفرض نفسه على لبنان من خلال الورقة الأميركيّة.
• دونالد ترامب يحاور الروسي بوتين والأوكراني زيلينسكي، وبعض “أكلة الجبنة” من الإتحاد الأوروبي. ودونالد ترامب يحاور “الإسرائيلي”، والإيراني، و”بعض” الإتحاد الأوروبي حول لبنان… عفواً: حول أيّ لبنان؟!
• دونالد ترامب قال بتقاسم الأرض كجزء من الحل المتداول حول أوكرانيا. دونالد ترامب لم يردع بنيامين نتنياهو عندما تحدث الأخير عن “إسرائيل الكبرى”، بل أشفق عليه، وقال إن “إسرائيل الحاليّة ضيّقة”!
هناك مسار معقّد دخلنا في سردابه، وكلّ “يغني على ليلاه”. الدولة مع “حصريّة السلاح”. “حزب الله” مع التمسّك به، والتهويل بحرب أهليّة ضدّ أي حراك يرمي إلى إنتزاعه بالقوّة. “إسرائيل” تجاوزت إحتلال الأرض، وعربدة الجو، إنها تريد الجنوب أرضاً محروقة، منزوعة السلاح، تحت قبضتها الأمنيّة، وممنوع إعادة الإعمار إلاّ وفق دفتر شروطها. الولايات المتحدة تراوغ، هدفها في النهاية، إما أن يبصم لبنان الذي نعرفه على صك إستسلام بعنوان “إتفاق سلام” مع “إسرائيل”، أو على لبنان الذي نعرفه السلام! وتبقى فرنسا في حركة من دون بركة، لا دور، ولا قرار، وهمّها في النهاية مرفأ بيروت، وواجهة على المتوسط، وموطىء قدم!
يمكن تغيير هذا المشهد بصعوبة، وكلفة عاليّة، إذا قرّرت الطوائف اللبنانية الدفاع عن فسادها وشراهتها على هذه الجغرافيا الضيقة التتي أسمها لبنان، لأن أيّ تغيّير، وفي أيّ إتجاه، سيكون على حساب الفوضى التي تنعم بها، وأيضاً على حساب المحاصصة التي برعت بإعتمادها، وتقاسم المغانم.
هناك مطبّ إسمه “التجديد لليونيفيل”.
والحقيقة ليس هناك بعد من وضوح حول المدّة، والصيغة، والشروط، والمهام. هناك مشروع قرار فرنسي قدّم إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن لدرسه وتنقيحه، وتعديله. يقابله طوفان من التحليلات، والإجتهادات حول ما سيكون، وما يمكن أن يصدر عن هذا المرجع الدولي.
لكن بالمقابل، كانت الأميركيّة مورغان أورتاغوس في بيروت، وكانت مهمتها محصورة بملف “اليونيفيل”، وطرحت أسئلة على من إلتقتهم، وسمعت أجوبة، وتركت إشارات أضافت غموضاً على حقيقة الموقف الأميركي، وألقت حجراً في البركة الدبلوماسيّة المحليّة تركت تموجات ثلاث:
الأولى: إن تجديد مهام “اليونيفيل” يجب أن يأخذ هذه المرّة بعين الإعتبار المستجدات التي حصلت في لبنان، وتلك التي حصلت في المنطقة.
ما حصل، عبور لبنان من صحراء الفراغ إلى إعادة بناء الدولة، عبر الإنتخابات الرئاسيّة، وخطاب القسم، وإختيار رئيس المحكمة الدوليّة القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة، مع بيان وزاري تأسيسي لـ”لبنان الجديد”.
ما حصل في لبنان قراران: عزم الدولة على إمتلاك قرار الحرب والسلم. وإصرارها على وضع حد لتفلّت السلاح، وحصره بالمرجعيات الرسميّة المختصة.
ما حصل في لبنان توغل إسرائيلي متمادي في السيادة، و”بقجة” من الشروط سيصار إلى فتحها في الوقت المناسب، وعندما تتفتّح الشرنقة الدبلوماسيّة لتخرج منها “فراشة مواصفات اليوم التالي” في لبنان.
الثانيّة: التغيير الذي أصاب الجارة سوريا، ولا يزال، والذي سيكون له إنعكاس مباشر على الوضع في لبنان. هناك خريطة طريق جديدة، أمنيّة وسياسيّة وإقتصاديّة، ربما بمواصفات تكامليّة، وفق ما يخطط له الأميركي بالتنسيق مع الإسرائيلي، والسعودي، والتركي…
الثالثة: الأخذ بعين الإعتبار المتغيّر في المنطقة بعد الحرب الإسرائيليّة ـ الأميركيّة على إيران، وفتح نوافذ حول الحوار الذي سيأخذ بعين الإعتبار الهندسات الجديدة في الشرق الأوسط. هندسات النفوذ الإقتصادي، والأمني، والسياسي، والمدى الذي سيبلغه تغيير الخرائط، خرائط النفوذ، وخرائط الحدود الجديدة.
إن ما يجري في غزّة اليوم، وحولها، إنما هو أشبه بـ”بروفا” عمليّة لشكل المفاوضات في المستقبل، حول الملفات الكبرى “المجنزرة” في المنطقة، والتي تحتاج إلى وصفات كيميائيّة جديدة لإتلاف الصدأ الذي يحوط بها من كل جانب.
وأيّا يكن القرار الذي سيصدر عن مجلس الأمن بشأن “اليونيفيل”، ومصيرها، ومستقبلها، إنما سيكون قرار دونالد ترامب المنسّق بشكل جيّد مع بنيامين تنياهو، مع حفظ ماء الوجه للأوروبيّين، خصوصاً أولئك الذين لهم مساهمات مباشرة في عديد “القبعات الزرق”، كفرنسا وألمانيا وإيطاليا…
ويتحدث الأميركيّون عن دور كبير يحفظ للجيش اللبناني لكي يكون وحده القوّة القادرة على فرض السيادة، وإسترجاع هيبة الدولة، ونفوذها، من خلال إسترجاع قرار الحرب والسلم، وتنفيذ الخطة التي تعدّها القيادة العسكريّة لحصريّة السلاح، وتوسيع بساط نفوذه ليشمل كامل الأراضي اللبنانية في الجنوب، وسلسلة جبال لبنان الشرقيّة.
لكن الأميركي لا يتحدّث عن “إسرائيل”، ولا يحدّثنا عن إرغامها على الإنسحاب من الأراضي اللبنانيّة التي تحتلها، ولا عن وقف إعتداءاتها، ولا عن مستقبل الجنوب، ولا عن إتفاقية الهدنة، ولا عن القرار 1701. حدّثنا ذات مرّة عن ترسيم الحدود البريّة، ومحاولة آموس هوكشتاين السابقة في هذا المجال. لكن كان ذلك في عهد الرئيس جو بايدن، وليس في عهد الرئيس ترامب الذي، كما يقال “يحب لبنان”…لكن من الحب ما قتل!
إنه مطوّر عقاري ناجح، يسعى إلى معالجة أزمة أوكرانيا عن طريق العقار، عسى ألآّ يفعل مع لبنان، ما يفعله بأوكرانيا، رغم الفرق الشاسع، والإختلاف الكبير في المقاربات!














