كشفت شبكةABC الأميركية أن وزير الخارجية ماركو روبيو أقر خطة لإنهاء عمل قوة حفظ السلام الدولية “اليونيفيل” خلال ستة أشهر.
ونقلت شبكةABC عن مسؤولين أميركيين أن هذا القرار، يأتي في سياق استراتيجيات أميركية أوسع للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقليص أي دور قد يلعبه “حزب الله” في الجنوب اللبناني.
القرار الذي ينذر بفراغ أمني ويزيد من هشاشة السيطرة اللبنانية على حدودها الجنوبية، يأتي وسط خلافات دولية حادة وتوترات داخلية بين القوى الكبرى في المنطقة.
وتنتهي ولاية “اليونيفيل” في نهاية آب/أغسطس الحالي، وهي القوة التي أنشئت لمراقبة انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان بعد غزو “إسرائيل” عام 1978، وتم توسيع مهمتها بعد حرب عام 2006 بين “إسرائيل” و”حزب الله”.
أنشئت قوة “اليونيفيل” عام 1978 لمراقبة انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية من جنوب لبنان، وتعتبر ركيزة أساسية للأمن الإقليمي، وتم توسيع مهمتها بعد حرب 2006 بين إسرائيل و”حزب الله”. ويبلغ عدد قواتها حوالي 10 آلاف جندي، في حين يمتلك الجيش اللبناني نحو 6 آلاف جندي، ومن المتوقع أن يرتفع العدد قريبًا إلى 10 آلاف لمواجهة أي فراغ محتمل.
ومع تقليص التمويل الأميركي للقوة خلال الفترة الأخيرة، أعدت إدارة ترامب خطة لإنهاء مهمتها خلال ستة أشهر، معتبرة أن “اليونيفيل” هدر للأموال ويؤجل القضاء على نفوذ “حزب الله” واستعادة الجيش اللبناني للسيطرة الأمنية الكاملة.
القرار أثار اعتراضات أوروبية، لا سيما من فرنسا وإيطاليا، التي حذرت من أن إنهاء القوة قبل جاهزية الجيش اللبناني سيخلق فراغًا استراتيجيًا قد يُستغل من قبل الجماعات المسلحة. “إسرائيل” بدورها وافقت على التمديد على مضض، في حين دافع الدبلوماسيون الأميركيون، وعلى رأسهم السفير لدى تركيا والمبعوث إلى لبنان توم باراك، عن خطتهم التي تضمنت فترة محددة للانسحاب لاحقًا.
تلعب قوة “اليونيفيل” دورًا مزدوجًا في جنوب لبنان، لكنها لم تسلم من الانتقادات. فقد اتهمها مؤيدو “حزب الله” بالتواطؤ مع “إسرائيل”، فيما اتهمتها “إسرائيل” بالتغاضي عن النشاطات العسكرية للحزب في المنطقة. هذا الوضع يضع القوة في مواجهة مستمرة بين مطالب الاستقرار والضغوط السياسية من الأطراف المختلفة.
وعلى الرغم من الانتقادات، تواصل “اليونيفيل” مهامها الميدانية باكتشاف أسلحة غير مصرح بها، تشمل قاذفات صواريخ وذخائر هاون وصواعق قنابل، وتقوم بإبلاغ الجيش اللبناني بهذه الاكتشافات. ويعكس هذا الدور الميداني أهمية القوة في مراقبة الوضع الأمني ومنع تصعيد محتمل في جنوب لبنان.
يبقى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجهة المخوّلة قانونيًا لتجديد ولاية “اليونيفيل” أو اتخاذ قرار الانسحاب النهائي. وتعتمد أي خطوات مستقبلية للقوة على تقييم الوضع الأمني على الأرض، ومدى جاهزية الجيش اللبناني لتولي مسؤولية تأمين الحدود الجنوبية دون وجود القوة الأممية.
وأكد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دو جاريك أن “اليونيفيل” تظل عنصرًا حيويًا لاستقرار جنوب لبنان والمنطقة الإقليمية، مشددًا على أن قرار تجديد ولايتها أو إنهائها يقع ضمن صلاحيات مجلس الأمن الدولي. وأضاف دو جاريك أن أي انسحاب أو تقليص للقوة يجب أن يتم بالتنسيق مع جميع الأطراف لتفادي خلق فراغ أمني قد يؤدي إلى تصعيد محتمل.
من جانبه، أوضح المتحدث باسم القوة أندريا تيننتي أن قوات “اليونيفيل” موجودة لمساعدة الأطراف اللبنانية والإقليمية في تنفيذ مهام الولاية، وأنها تواصل مراقبة الوضع الأمني بدقة وانتظار القرار النهائي لمجلس الأمن بشأن مستقبل مهمتها، مؤكداً التزام القوة بالحفاظ على الاستقرار أثناء أي عملية انتقالية.
وترى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تقليص قوة “اليونيفيل” وإنهاء مهمتها، خطوة استراتيجية تهدف إلى استعادة الجيش اللبناني السيطرة الكاملة على الحدود الجنوبية، وتقليص النفوذ الإيراني عبر “حزب الله”. ويعكس هذا الموقف أولويات واشنطن في الضغط على المقاومة وتحديد دور القوات الدولية في لبنان بما يتوافق مع المصالح الأميركية في المنطقة.
في المقابل، حذرت فرنسا وإيطاليا من أي فراغ أمني محتمل نتيجة إنهاء مهمة “اليونيفيل” قبل أن يكون الجيش اللبناني جاهزًا لتأمين المنطقة بالكامل. ورأت الدولتان أن الانسحاب المبكر قد يفتح المجال أمام “حزب الله” أو أطراف أخرى لتعزيز وجودها العسكري، وهو ما قد يقوض الاستقرار في جنوب لبنان ويعيد المنطقة إلى دائرة التوترات التقليدية.
القرار الأميركي يمثل نقطة تحوّل محتملة في الأمن الإقليمي، إذ يضع لبنان أمام اختبار حقيقي لقدرة جيشه على ملء الفراغ العسكري والأمني الذي قد تخلّفه “اليونيفيل”. ومع استمرار التوترات بين القوى الإقليمية والدولية، يبقى احتمال تفجر صراع محدود أو تصعيد أمني في جنوب لبنان قائمًا، ما يجعل المنطقة تحت مراقبة دقيقة من قبل جميع اللاعبين المحليين والدوليين.














