يتّجه حزب الله إلى القيام بخطوات عملية لإقفال «ملف الترميم الإنشائي»، عبر تأمين المبالغ اللازمة لإعادة تأهيل المباني المتصدّعة إنشائياً في الضاحية الجنوبية، والمقدّرة قيمتها بـ40 مليون دولار. وتعاني هذه المباني من أضرار كبيرة تعيق السكن فيها، سواء في الوحدات السكنية أو في الأقسام المشتركة، مثل أعمدة الأساس أو الأسقف أو حيطان الدعم. وسيساهم هذا المبلغ في ترميم حوالي 133 مبنى بشكل جزئي و369 مبنى بشكل شامل، ما سيدفع أصحاب الوحدات السكنية فيها للعودة إليها وإقفال جزء من ملف إعادة الإعمار.
ويأتي تحرّك حزب الله بعد تحلّل رئيس الحكومة نواف سلام من التزاماته في البيان الوزاري بإعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي على لبنان. إذ راوغ سلام لستّة أشهر، وترك 492 مبنى متضرّراً ومصنّفاً تحت خانة «الترميم الإنشائي» في الضاحية الجنوبية، بلا إعادة تأهيل. ورغم أنّ المبلغ المخصّص لهذه العملية لا يتجاوز 40 مليون دولار، وفقاً لتقديرات حزب الله والمؤسسات العاملة في ملف إعادة الإعمار مثل «جهاد البناء» والمكتب الهندسي «آرش»، إلا أنّ سلام تفنّن في ابتداع الحجج لعدم مساعدة شعبه للعودة إلى منازله، مثل «ربط إعادة أموال المودعين بملف إعادة الإعمار».
استلم سلام دفّة الضغط على مجتمع المقاومة من العدو وما رفضه تمويل عملية إعادة الإعمار إلا استسلاماً للضغوط الخارجية، متجاهلاً أنه يساهم في تهجير قرابة 7 آلاف أسرة من منازلهم، علماً أنّه يمكن سحب جزء من هذه الأسر من «جداول الإيواء» التي ستتجدّد قريباً في الذكرى السنوية الأولى للحرب، وتسليمها المنازل مرمّمة قبل بداية الشتاء المقبل. ولكن، رئيس الحكومة يفضل اللّعب السياسي حتى في ملف إنساني، فوضع شروطاً سياسيةً على عملية إغاثة الناس وإعادتها إلى منازلها، وربطها بمسألة تسليم سلاح المقاومة.
في المقابل، وقبل اللجوء إلى إعادة تفعيل عجلات ماكينة إعادة الإعمار الخاصة به، لجأ حزب الله إلى فتح حوار مع سلام، بهدف الوصول إلى تفاهم. إذ طالبه بداية بوضع خطّة حكومية لإعادة الإعمار، وإنهاء ملف الترميم الإنشائي. لا سيّما أنّ ترميم الأبنية المتصدّعة إنشائياً في الضاحية الجنوبية كفيل بإنهاء 18% من الملف الذي يحتوي على 2718 مبنى متضرّراً إنشائياً في كافة المناطق التي تعرّضت للاعتداءات.
ولكن لسلام حسابات أخرى لا ترتبط بالمعاملة الإنسانية لجزء من أفراد شعبه، بل يرغب عبرها بالضغط على هذه الفئة لتحصيل نقاط تفيده في التفاوض على سلاح المقاومة. وهنا، لم يستمع سلام لنصائح أحد، لأنّ رضوخه للضغط الأميركي والدولي أصابه بالصمم. فعدد من المسؤولين الماليين الدوليين البعيدين كلّ البعد عن حزب الله، قالوا بوضوح على مسامعه إنّ «المساعدة الإنسانية غير مشروطة، وتشمل مواجهة نتائج الحروب في المدَيين القريب والمتوسط».
كما أنّ الأموال المطلوبة لإنهاء ملف الترميم الإنشائي إمّا موجودة مع الحكومة، أو يمكن الوصول إليها بسهولة، فهناك 20 مليون دولار دفعها العراق في «صندوق إعمار ما بعد الأزمات» الذي أعلن عنه في قمة بغداد العربية، فضلاً عن وضع فرنسا 75 مليون يورو في «مشروع المساعدة الطارئة للبنان LEAP» التابع للبنك الدولي، وهذه المبالغ لا علاقة لأموال المودعين بها. وإلى جانب هذه المساعدات، يمكن للحكومة، لو وجدت النيّة، استخدام الأموال العراقية الموجودة في مصرف لبنان، والمخصّصة لدفع ثمن الفيول العراقي المستخدم في توليد الكهرباء.
وإن لم يخرج حوار حزب الله مع سلام بنتيجة على مستوى تحريك ملف إعادة الإعمار، فما هو دور المجلس النيابي ورئيسه في الضغط على الحكومة للتنفيذ؟ فقد خرجت أصوات تقول إنّ «رئيس المجلس، ومنذ بداية العهد حتى اليوم، يستطيع فرض شروط على الحكومة». لذا، أين تتموضع وزارة المالية في هذا النقاش كلّه، مع علم الوزير ياسين جابر بحجم الأموال الحكومية المتوافرة، والقابلة للاستخدام، وأنّ الدولة قادرة على ضخّ مئات ملايين الدولارات لإعادة الإعمار وليس 40 مليوناً فقط. ورغم الموقف السياسي المستغرب لجابر خلال المدّة الماضية عند نقاش الورقة الأميركية المخصّصة بـ«حصر السلاح»، فهل هو معفى من موضوع المشاركة في إعادة الإعمار، علماً أنّ دائرته الانتخابية السابقة، أي مدينة النبطية، من أكثر المناطق تأثّراً بالعدوان.














