/ حسن فقيه /
لم يكن مستغرباً الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار بعد انتهاء الاستحقاق الانتخابي وإتضاح النتائج، التي، بنسبة معينة، لم تعط الغلبة لفريق دون آخر. وحيث أنه لا يمكن فصل الامور السياسية عن الاقتصادية في لبنان، فقد كان من البديهي معرفة مصير سعر الصرف بعد الانتخابات مباشرةً. كيف لا، والناس أساساً مهدت لهذا الموضوع من خلال منشورات وتحليلات ونُكات أطلقتها هنا وهناك، وفي لبنان سرعان ما تتحول بعض النُكات إلى حقيقة يضطر المواطن أن يعيش في ظلها.
لم يطُلْ الانتظار كثيراً حتى تخطى الدولار عتبة ال 31 الف ليرة لبنانية يوم 17 أيار، وهو الذي صمد فترة بسيطة بين ال 27 و الـ 28، وفي السابق صمد بين الـ 20 والـ 21، إلا أن بعض قفزاته تأتي جنونية بمعدل كبير.
لماذا هذا الارتفاع الجنوني؟ وما علاقة صناديق الاقتراع بالموضوع؟ وأين دور التعميم 161 الصادر عن المصرف المركزي، في لجم سعر صرف الدولار؟
كلها أسئلة مشروعة.. ولكن متى كان سعر الصرف حقيقياً أساساً منذ التسعينات إلى اليوم؟ وما هي الحلول التي أوجدتها السلطة؟
من المعروف أن سعر الصرف المتبدّل يومياً، يعتبر الهم الأساسي عند المواطن، وأساس المشكلات جميعها، من محروقات وخبز ومواد غذائية وسلع متنوعة.
أسباب ارتفاع سعر الصرف سريعاً
الحالة الانتخابية الهجومية التي وجدت قبل 15 أيار، وعدم انجاز مطالب صندوق النقد الدولي، اضافة إلى تأجيل البت بمواضيع القمح والمحروقات، وعدم إيجاد السبل اللازمة لتأمين العملة الصعبة، والاضطرار الى استهلاك الدولار بشكل كبير من المركزي، أدى لزيادة الطلب وقلة العرض على الدولار، مما أعطى تجار السوق السوداء جرعة كبيرة لدفع السعر عالياً، حتى عاد إلى ما كان عليه قبل أشهر. ومن المرجح أن يستمر في التصاعد، ومن دون سقف، اذا لم توجِد الدولة بعض الحلول السريعة لعدد من المشاكل، تقي المواطن من حرارة ناره التي تلهب القدرة الشرائية لديه، واذا كان التعويل على ما تبقى في المركزي فإن ما تبقى يتناقص يومياً.
دور التعميم 161
أحدث التعميم 161 ثورة عند بدايته، فقد ساهم بانخفاض سعر الصرف بمستوى كبير، مما أوهم الناس أن الدولة بدأت بايجاد الحلول اللازمة. الا أنه بعد فترة وجيزة، بطل مفعول هذا التعميم.
فصيرفة لا تعمل الا ساعة أو اثنين يومياً، والغالبية عادت مجدداً للاتجاه نحو السوق السوداء لتأمين مخزونها من الدولار، وكل ما ينتظره التجار هو اعلان المركزي ايقاف التعميم حتى يستغلوا الوضع لرفع الدولار بشكل كبير. علماً ان تأثير الـ161 لم يعد موجوداً اليوم، لكن على قاعدة “كل ما قدرت علّي.. رح علّي”.
الحلول الممكنة
تبدو الحلول شبه معدومة في الوقت الحالي، لكنها غير مستحيلة، خصوصاً اذا نجح المجلس النيابي الجديد في أخذ شكله سريعاً، وايجاد الحكومة التي تتقبل أن تكون عاملة لمدة أربعة أشهر (موعد الانتخابات الرئاسية) قبل أن تتحول مجدداً إلى حكومة تصريف أعمال.
الاتفاق على اسم يرأس الحكومة الجديدة، وعلى المقاعد الوزارية، في فترة قصيرة، يبدو ضرباً من الخيال في ظل عدم معرفة توجه عديد القوى التغييرية التي وصلت لمجلس النواب، وعدم الادراك حتى الآن ما اذا تبدلت أفكار المنظومة الحاكمة حول الحكم، أم بقيت على ما هي عليه.
وفي ظل كل هذا التخبط، يبقى الحل الأمثل في التوجه نحو البحر، وايجاد الحلول اللازمة للتنقيب عن الغاز اللبناني، لأنه الحل الوحيد لانتشال لبنان من المستنقع الذي غرق فيه وأغرق مواطنيه فيه.
عدا ذلك، يبدو الاتفاق مع صندوق النقد لوحده لا يكفي، والاصلاحات بعيدة المنال، والشعب ثلثه يتقاضى دولار وثلثه يصله دولار، ونصف الثلث المتبقي يعمل في الدولار والنصف الأخير لا حول له ولا قوة أمام قوّة الدولار!
فهل يتفق المسؤولون على ضرورة تنحية الخلافات جانباً والتوجه نحو الانفراج..؟