| ميرا عيسى |
في 13 آب 1926 وُلِدَ فيديل كاسترو في بلدة بيران بمقاطعة أوريينتي شرق كوبا. وما فتئ حتى تحول من محامٍ إلى رمز عالمي للمقاومة الفكرية والتمرد على الظلمِ، بعدما أطاحَ بنظام فولغينسيو باتيستا، ورفعَ راية الشيوعية فوق هافانا، مدفوعاً بإيمان راسخ بنظرية ماركس ولينين، وبحلم جامح ببناء مجتمع لاطبقي، حر ومستقل.
ثورة في وجه “الهيمنة” الأميركية
برزَ نجاح الشيوعية كإيديولوجيا بداية مع لينين في الثورةِ البلشفية، عندما نجحَ الأخير ببناء مجتمع عادل يحافظ على حقوق الطبقة العاملة ويصونها. حتى أكملَ ستالين الشعلة، فمضى بها إلى نجاحات أكبر ومن دون فشل.
والثورة الكوبية بقيادة كاسترو وجيفارا، كانت تحولاً جذرياً لم يكن مقتصرًا على الجانب السياسي فحسب، بل شمل أيضًا البنية الاجتماعية والاقتصادية للدولة.
نجحت الثورة الكوبية في الإطاحة بنظام فولغينسيو باتيستا، الذي مثّل حقبة من التبعية الشديدة للولايات المتحدة وازدهار فاحش للقلة مقابل فقر مدقع لغالبية الشعب.
ما إن إستتب الحكم الثوري، حتى شرعت الحكومة الجديدة في تنفيذ سياسات جذرية، تمثلت في تأميم المصالح الأجنبية، وإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين، وتوفير التعليم والرعاية الصحية مجانًا للجميع. بلغ تأثير الثورة ذروته في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حين أصبحت كوبا نموذجًا يُحتذى به في دول العالم النامي، خصوصًا في مجالي التعليم والصحة، حيث استطاعت القضاء على الأمية تقريبًا، وأنشأت نظامًا صحيًا يعد من بين الأفضل عالميًا رغم ضعف الإمكانيات.
كما تمكّنت الدولة من تحقيق مستوى ملحوظ من المساواة الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما منح النظام الثوري شرعية محلية وشعبية دولية، بخاصة في دول الجنوب العالمي. علاوة على ذلك، برزت كوبا كثقل سياسي وثقافي رغم صغر حجمها، عبر دعم حركات التحرر في أفريقيا وأميركا اللاتينية، ما جعل منها رمزًا للمقاومة في وجه الإمبريالية، والهيمنة الأميركية.
أينَ الشيوعية اليوم؟
يؤسفنا نحن (كشيوعيين)، أن نتساءل عن وجودنا في الواقع الحالي، هل المشكلة بالعصرِ التافه والسطحي الذي وصلنا له؟ أم أن الشيوعية هي نظرية لزمنٍ محدد مضى ولن يعود؟ يؤسفني أن أكون لامنتمية في عصرٍ لا يُصلحه سوى الفكر الشيوعي، أغلبية الدول التي تسمى نفسها “إشتراكية” لا تحمل من الشيوعية شيء سوى إسمها، كي تستغله لمصالحها الشخصية.
على الرغم أن الشيوعية وُلدت كأيديولوجيا تدعو إلى العدالة الاجتماعية، والمساواة، وإنهاء الاستغلال الطبقي، إلا أن الواقع العالمي اليوم يظهر أنها فقدت كثيرًا من بريقها، وتحوّلت إلى نماذج هجينة أو أنظمة قمعية مغلقة، دون أن يُثبت أي منها نجاحًا شاملًا أو مستدامًا.
الصين تعد أبرز مثال على التحول. فرغم احتفاظ الحزب الشيوعي بالحكم، إلا أن البلاد تبنّت اقتصاد السوق منذ عقود. اليوم، الصين تُعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لكن بسمات رأسمالية واضحة: شركات عملاقة، استثمارات أجنبية، وتفاوت طبقي حاد. الشيوعية هنا أصبحت شعارًا سياسيًا، لا نظامًا اقتصاديًا.
أما كوريا الشمالية، تعيش في عزلة تامة، اقتصادها منهار، وشعبها يعاني من الفقر وسوء التغذية، في ظل نظام قائم على عبادة الفرد والقمع السياسي، وليس على المبادئ الشيوعية الحقيقية.
وفي فيتنام، نرى تجربة شبيهة بالصين، فالحزب الشيوعي يحكم، لكن مع انفتاح اقتصادي تدريجي جذب الاستثمارات الأجنبية وحقق نموًا ملحوظًا. ومع ذلك، تبقى الحريات السياسية محدودة جدًا، ويُمارس التحكم الكامل في الإعلام والمجتمع.
لقد شكّلت الثورة الكوبية بقيادة كاسترو لحظة فارقة في التاريخ الحديث، ليس فقط على مستوى كوبا، بل في السياق العالمي الأوسع للصراع بين الشيوعية والرأسمالية، وبين الجنوب الفقير والشمال الغني.
وعلى الرغم من الإنتصار الكبير، وبينما ما زال بعض من إرث كاسترو حاضرًا في وجدان الكوبيين، فإن الأجيال الجديدة باتت تطالب بمسارات مختلفة نحو التقدم، مسارات لا تُقصي الحرية من معادلة العدالة.
الثورة، في نهاية المطاف، لا تُقاس فقط بما تَعد به، بل بقدرتها على التجدد والاستجابة لزمن يتغير من دون توقف. وستبقى كوبا درساً تاريخياً حيوياً عن قوة الفكرة، وحدودها.














