| خضر طالب |
في رحيل “أبو عمار”.. أستعيد ما كتبته عنه في حياته، حين “تقاعد” مكرهاً، وتفرّغ لعائلته الصغيرة التي بدأت تكبر، وأحفاده الذين بدأوا بالوصول إلى حياته، وهو الذي كان يعيش في “أسرة” جريدة “السفير” ويعتقد أنها عائلته الأبدية…
أذكر أن اللقاء الأول معه، حصل في مكتب جريدة “السفير” في طرابلس، في العام 1991، لـ”التفاوض” على العمل، مجدداً، في “السفير” بعد انقطاع نحو 3 سنوات.
أبلغني آنذاك أنه ستكون مرحلة “تجربة” لمدة 3 أشهر، فوقفت سريعاً للمغادرة وقلت له “أنا لا أخضع للتجربة…”. استدرك الموقف سريعاً لتهدئة انفعالي، وللتوضيح أن “القانون يفرض ذلك لتسجيلك في الضمان الاجتماعي، وليس لتجربة خبرتك ومهنيتك.. نحن نعرف كفاءتك”. فأعادني إلى الجلوس، وتوجّه لي بابتسامة عريضة توحي بارتياح، وتابعنا الحديث عن دوري… بعد أقل من سنة، تسلّمت إدارة مكتب “السفير” في طرابلس والشمال، وتطورت علاقتي بـ”المدير العام” ياسر نعمة، وكنت أرى فيه مزيجاً غريباً من الأب والصديق والزميل ونقيب “العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين”…
النص التالي، كتبته في شهر حزيران 2017 عن ياسر نعمة، في أسبوعية جريدة “الرقيب” التي أصدرتها لنحو 3 سنوات قبل انتفاضة 17 تشرين الثاني.
لم يكن ياسر نعمة “رجل سلطة”..
كان مزيجاً فريداً من التناغم الذي يجمع في شخصه مصلحة “رب العمل” ومصلحة العاملين ومصلحة المؤسسة… الفاصل بين تلك الحسابات ليس صغيراً. الفاصل كبير جداً. لكن ياسر نعمة كان يمدّ الجسور بين كل تلك الحسابات، ويضيّق المسافات إلى حدود التماس في ما بينها.
يستحق ياسر نعمة ثلاثة أوسمة ذهبية لقدرته على الجمع بين تلك المصالح المثلّثة. لكنه يستحق أيضاً وساماً ماسياً صقله بنفسه في مسيرته الطويلة التي ناضل فيها على جبهات ثلاث:
ـ في السياسة أولاً، وهو القومي العربي الذي كان مؤمناً أن القومية العربية لا بد أن تنهض من قمقمها.
ـ في الوطنية ثانياً، وهو الذي تفوّق على كل الحواجز وعبر إلى قلوب الذين ما زالوا مؤمنين أن الحركة العمالية تحتاج إلى مثال ياسر نعمة.
ـ في الإدارة ثالثاً، وهو الذي مارسها بأسلوب راقٍ كسر فيه صورة المدير الجامدة.
عندما غادر ياسر نعمة “السفير”، خسرت “السفير” إنسانيتها.. كانت تلك الإشارة الأولى إلى أن ما سيأتي على “السفير” والعاملين فيها هو نقيض ياسر نعمة…
ربما يفترض بالعمال أن يضعوا قِيَم ياسر نعمة نهجاً، يسترشدون بها لإحياء الحركة العمالية المصابة بالشلّل منذ غادرها ياسر نعمة.
ربما يفترض بأرباب العمل أن يستنبطوا ياسر نعمة جديداً، ليكون حلقة الوصل بينهم وبين العاملين.
ربما يفترض أن توضع على مدخل “السفير” صورة ياسر نعمة كي تكسر وحشة المبنى شبه المهجور.














