الإثنين, ديسمبر 8, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةشريط الاحداثدمشق والخارج: انفتاح صوري مشروط

دمشق والخارج: انفتاح صوري مشروط

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| عامر علي | 

رغم مرور نحو تسعة أشهر على سقوط النظام السابق في سوريا وتسلّم الإدارة الجديدة مقاليد الحكم، لا تزال تعاني هذه الإدارة من أزمة سياسية تتعلّق بالاعتراف الدولي الصريح بها، مقابل سلسلة طويلة من وعود لا تستند إلى أسس قانونية، الأمر الذي يجعلها أقرب إلى «مغريات» مقرونة بالتهديد المستمر بسلاح العقوبات. ويأتي هذا فيما أثار «منتدى الاستثمار السعودي» الذي استضافته دمشق في الرابع والعشرين من تموز الماضي، وما تخلّله من إعلان عن مشاريع تتجاوز قيمتها الـ6 مليارات دولار، أسئلة عديدة حول مدى إمكانية تحقيق هذه الاستثمارات على أرض الواقع، علماً أنها تتضمّن مشاريع صناعية وتقنيّة واستثمارية في قطاعات عديدة، فضلاً عمّا تمّ الحديث عنه من مشاريع بنية تحتية طموحة مثل تحديث المطارات وإنشاء شبكة مترو أنفاق في دمشق.

وتمّ تفسير الإعلان عن هذه الاستثمارات – والذي جاء في وقت حسّاس للغاية بالنسبة إلى الإدارة الجديدة، على خلفية التدخّل الإسرائيلي في الجنوب بذريعة «حماية الدروز» -، في الأوساط السياسية السورية، بأنه «يدُ عونٍ سعودية»، لهذه الإدارة. لكن ذلك لم يحجب تحذيرات مستمرة من سياسة دول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا، التي اعتمدت منذ صعود الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، إلى السلطة، سياسة الإغراء بوعود مستقبلية، من دون وجود أرضية حقيقيّة يمكن البناء عليها.

فعلى سبيل المثال، لا تزال سوريا تعاني من آثار العقوبات الأميركية المفروضة عليها، رغم إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، شطب العقوبات الرئاسية، وتجميد تلك التشريعية (مثل قانون قيصر) لمدة 190 يوماً. ويتزامن الحديث عن إمكانية رفع هذه الأخيرة، مع طرح مشروع قانون جديد يمنع إبطالها أو حتى تجميدها من جانب البيت الأبيض من دون التأكّد من جملة شروط، من بينها تحقيق انتقال سياسي حقيقي.

وبينما يُنظر إلى مسألة العقوبات الأميركية (لا تزال سوريا خارج نظام سويفت البنكي حتى الآن مثلاً) على أنها تأتي في سياق صراع سياسي داخلي أميركي، يمكن اعتبار هذه المسألة تجسيداً فعلياً لأزمة الإدارة السورية الجديدة، التي لا تزال مثلاً مصنّفة على قوائم الإرهاب في الأمم المتحدة، رغم شطبها منها من جانب الإدارة الأميركية، ما يؤكّد ما تذهب إليه تحذيرات سورية من خطورة المضي وراء الوعود الأميركية والغربية من دون أسس واضحة.

كذلك، لم تقم دول الخليج، وعلى رأسها السعودية التي تُعتبر أحد أبرز الداعمين للإدارة الجديدة على الصعيد السياسي، بأي خطوة حقيقة نحو هذه الإدارة؛ إذ لم يتم تعيين سفير سوري في السعودية. وهو الأمر نفسه الذي ينسحب على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي سارت على النهج الأميركي نفسه، عبر الإيحاء باحتضان الشرع، ورفع العقوبات المفروضة على سوريا، مع التلويح بإمكانية إعادتها في أي وقت.

أمّا على الصعيد الداخلي، فتواجه الإدارة جملة من العقد والمطبّات الصعبة، بينها أزمتَي الجنوب والشمال الشرقي. ففي جنوب البلاد ظهر التغوّل الإسرائيلي المتواصل، الذي أسّس لإعادة رسم خريطة المنطقة، عبر ذريعة «حماية» الدروز الذين باتوا يملكون ما يشبه «الحكم الذاتي» في السويداء، إلى جانب خسارة سوريا مساحات شاسعة قرب الشريط الحدودي مع الأراضي المحتلة، وفرض إقامة منطقة منزوعة السلاح قرب هذا الشريط. أمّا في الشمال الشرقي، فلا تزال الإشكالات الرئيسية التي تعيق تطبيق عملية اندماج «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) بهذه الإدارة، بموجب الاتفاقية التي وقّعها الشرع، والقائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي، في العاشر من آذار الماضي، قائمة، وسط إصرار الأخير على تحصين «الإدارة الذاتية» التي يقودها، ورفض الشرع هذا الطرح.

وإلى جانب ذلك، وقعت الإدارة الجديدة في جملة من الأخطاء القاتلة في إدارة الملف الداخلي، أبرزها عدم ضبط الفصائل المتشدّدة، وعدم بناء هيكلية أمنية وعسكرية واضحة، وفق تعهّداتها المعلنة، الأمر الذي ظهر بوضوح أثناء مجازر شهر في الساحل، والمجازر التي ارتكبتها في السويداء أخيراً، والتي منحت عبرها إسرائيل فرصة تاريخية لتمتين حضورها في الملف السوري. وانعكس كلّ ذلك بشكل واسع في الهشاشة المستمرة في بناء العلاقات الخارجية، التي لا تزال تأخذ طابعاً استعراضياً وشخصياً (كما هو حال أميركا والسعودية وفرنسا على سبيل المثال).

أمام هذه الظروف، جاءت الزيارة الأخيرة التي أجراها وفد رفيع المستوى من الإدارة، برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني، إلى روسيا، في محاولة لخلق توازن في الملف السوري شديد التعقيد. وهي خطوة من شأنها فعلاً أن تخلق هذا التوازن، غير أنها قد تكون مُكلفة للغاية، خصوصاً في نظر كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي كانت تأمل أن يؤدّي سقوط نظام الأسد إلى فقدان موسكو حضورها في الملف السوري.

بشكل عام، لا يمكن الأخذ بالوعود الأميركية والأوروبية، ولا حتى الاستعراض الاقتصادي السعودي في ظلّ الظروف الحالية على المستويَين الداخلي والخارجي في سوريا. ومن شأن ذلك أن يجعل الأيام المقبلة مفصيلة بالنسبة إلى الإدارة الجديدة، التي قد تجد نفسها مضطرة إلى تقديم مزيد من التنازلات، أملاً في انتزاع اعتراف سياسي حقيقي يمكن البناء عليه.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img