| جورج علم |
إيران معنيّة مباشرة بالحوار ما بين سوريا و”إسرائيل”، كونه يؤشر لحصار سياسي ـ دبلوماسي، يتزامن مع الحصار الإقتصادي الذي يُطبق عليها بعد حرب الـ12 يوماً.
هناك مسار جديد يحاصرها، وخريطة طريق مختلفة، تنمّ عن تحول إستراتيجي، وجدول أعمال حافل بمواضيع مصيريّة. ويكفي أن يبدأ الحوار السوري ـ الإسرائيلي، قبل أن يبدأ الحوار الإيراني ـ الأميركي، لأخذ الدروس، وإستخلاص العبر.
ذهبت طهران بعيداً في قراراتها بعد أن هدأت العاصفة الأميركيّة ـ الإسرائيليّة. ردّدت لاءات ثلاث: لا حوار مع واشنطن وفق شروط الإدارة الأميركيّة. لا تعاون مع الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة بعدما صوّت مجلس النواب الإيراني بأكثريّة مرجّحة على وقف التعاون. ولا للمفاوضات مع “الترويكا” الأوروبيّة: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، “لأنها غير ذي جدوى…”.
حصل ذلك قبل أن يعقد بنيامين نتنياهو ثلاثة إجتماعات عمل مع الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض حول مواصفات اليوم التالي في الشرق الأوسط.
بعد تلك القمم الثلاث، بدأت إيران النزول من أعلى الشجرة:
– ذهبت إلى المفاوضات مع “الترويكا” الأوروبيّة.
– أعلنت إستعدادها للتعاون مع الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة.
– وفعّلت دبلوماسيتها مع السعوديّة وسلطنة عمان وقطر بهدف التنسيق مع واشنطن لترتيب طاولة حوار، لتلافي المزيد من العقوبات الأميركيّة المكلفة والمنهكة.
لم يأت “مدير الملفات الشرق أوسطيّة” ستيف ويتكوف إلى المنطقة بعد تلك القمم الثلاث. ولم تستقبل طهران وسيطاً يشعرها بأهميّة مكانتها لدى الغرب الأوروبي ـ الاميركي. حتى أن الحليفين، الروسي والصيني، لم يدخلا في نقاش مسؤول مع الإدارة الأميركيّة لتلميع الجوانب الخفيّة من الصورة الإيرانيّة. الحصار لم يتغيّر، بل إشتدت وطأته، وكأن المطلوب من الإيرانييّن أن يبادروا من الداخل بإتجاه الخارج، وبدلاً من إصرارهم على تصدير “الثورة”، عليهم تغيير “السلعة”، والأسلوب، والإقدام بحسن نيّة على تصدير إنفتاح يحترم سيادات الدول، وأنظمتها، وخصوصياتها، وعدم التدخل في شؤونها الداخليّة.
عاد بنيامين نتنياهو من واشنطن بعد تلك القمم، أشدّ فتكاً بغزّة وأهلها. وعاد توم برّاك أشدّ إصراراً على “حصريّة السلاح”. وبدلاً من أن يمارس الضغط على تل أبيب، ويطالبها بوقف إعتداءاتها، والإنسحاب من النقاط التي تحتلها، وإحترام إتفاق وقف إطلاق النار، جاء إلى إلى بيروت ليمارس الضغط على المسؤولين، ويطالبهم بـ”حصر السلاح، قبل أن يصبح لبنان أمام مقلب آخر”! وعاد الرئيس نواف سلام من لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسلّة طافحة بالوعود، في الوقت الذي يتكىء فيه الأخيرعلى كتف الرئيس الأميركي للحصول على بعض “الفتات”!
وشاءت الصدفة أن يكون سلام في مكتب ماكرون، في الوقت الذي كان فيه برّاك منهمكاً في ترتيب طاولة الحوار ما بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي رون ديرمر، حول واقع العلاقات ومستقبلها.
لا يبدو أن إيران ـ وحتى إشعار آخر ـ لها دور نافذ في “سوريا رون ديرمر، وأسعد الشيباني”. فقدت الحلبة، ومربط الخيل، ومنصّة القرار، ولم يعد الوصول إلى المفاوضات ممكناً عن طريق “المحور الممانع”، لقد تهدّمت الجسور، وتغيّرت المعالم، وتعطلّ القطار السريع نظراً لما أصاب السكّة من أضرار جسيمة.
لم تعد لطهران من أوراق قويّة في الإقليم تفاوض عليها. الهدف من المفاوضات ـ في حال بلوغها ـ حماية النظام، والحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه، وبالتالي فإن الإستراتيجية التي كانت قبل الحرب، لم تعد صالحة بعدها، لقد فقدت مصداقيتها، بعدما تبيّن أن حجم الأضرار فاق كل التوقعات، وبات الواقع القائم يفرض إستراتيجيّة جديدة لا بدّ من أن تقدم عليها، إذا كانت طهران تريد فعلاً سلوك منعطف مغاير لذلك الذي سلكته حتى الآن.
حتى دعم السلاح، ورفض حصريته في لبنان، لم يعد يشكل ورقة قوية ضاغطة يمكن إستخدامها بالمفاوضات. لقد نجحت هذه الورقة لغاية الآن في تعطيل مشروع الدولة، وفتح الأجواء اللبنانيّة أمام طائرات العدو ليمعن قصفاً، وتدميراً، وإحتلالاً، وإغتيالاً. حتى أن قرار إعادة تفعيل السلاح – إذا ما إتخذ – يعني إفساح المجال لتدمير ما تبقى من بنى تحتيّة، ومرتكزات دولة، ومقومات وطن.
لا يكفي أن تقول طهران إن السلاح شأن لبناني داخلي، وهي ترفض التدخل في شؤون لبنان الداخليّة. ولا يكفيها القول إن “حزب الله” هو حزب لبناني، وبالتالي على الحكومة أن تتعاطى معه على هذا الأساس، وتقف عند مخاوفه وهواجسه. إن إيران معنيّة، وبالعمق، ومسؤولة بالمطلق طالما أن الحزب يقول إن سلاحه من إيران، وتمويله من إيران، وولاءه الصافي للمرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة.
تعرف إيران العقدة، وتعرف الحل. وتعرف أن من مصلحتها فتح صفحة جديدة مع الدولة اللبنانيّة. مع العهد. مع الحكومة، والمؤسسات الأمنيّة والسياسيّة الرسميّة، ومع سائر الفعاليات، في مختلف القطاعات، خصوصاً الإقتصاديّة، والماليّة.
إنها تدرك مدى العزلة التي تعاني منها نتيجة إصرارها على تصدير “الثورة”، وتدخلها بالشؤون الداخلية للعديد من الدول.
إنها تدرك أن سيطرتها على عواصم عربيّة أربع، لم يمكّنها من وقف العربدة الإسرائيليّة في سماء طهران، أو لم تمنع بنيامين نتنياهو، ودونالد ترامب، من قصف منشىآتها النوويّة.
وأخيراً، إنها تدرك بأن الحرص على السلاح، يعني الحرص على الحجة التي تتذرّع بها “إسرائيل” لإستمرار عدوانها على لبنان، وأخذه إلى حيث لا يريد!
ترى، ألا يشكّل دعم السلاح، دعما لـ”إسرائيل”، ولو بصورة غير مباشرة، لكي تفعل بلبنان، ما تفعله بسوريا راهناً؟!
للانضمام إلى مجموعة “الجريدة” إضغط على الرابط














