| زينب سلهب |
“الشرق الأوسط”، منطقة الحروب والكوارث والمخاوف، والتي أصبحت منذ أيام، “منطقة النيران”!
تشتعل الحرائق بشكل كبير في عدة دول في الشرق الأوسط، نتيجة المناخ الذي يسيطر على المنطقة في الموسم الحالي، وعوامل أخرى ربما بعضها مفتعل، أو عن طريق “الصدفة”.
الأسبوع الماضي، شهد لبنان، حريقين كبيرين في بشنين والقبيات، عملت طواقم الدفاع المدني على إخمادهما بعد عدة أيام، ولكن، هل هي المرة الأولى التي يتعرض فيها لبنان للحرائق في هذا الموسم؟
في حديث سابق مع الخبير والصحافي البيئي منير قبلان، أكد أن الحرائق في لبنان أمر معتاد، يحصل في كل سنة بنفس الموسم، وعدد العديد من الأسباب التي تشعل المساحات الخضراء في لبنان، والتي اغلبها يكون “غير مقصود” أو بسبب “تقصير” من جهات معينة.
وبعد لبنان، بدأت حرائق تركيا، منذ أواخر يونيو/حزيران الماضي، حيث اجتاحت سلسلة حرائق غابات واسعة النطاق عدة ولايات في غرب البلاد وجنوبها، في واحدة من أسوأ موجات الحرائق التي عرفتها البلاد خلال السنوات الأخيرة.
وتركزت النيران في ولايات إزمير ومانيسا وبيلجيك وسكاريا وهاتاي، مدفوعة بموجة حر استثنائية ورياح عاتية ساهمت في تسريع امتدادها إلى مناطق سكنية وزراعية، وأجبرت السلطات على تنفيذ عمليات إجلاء جماعية وُصفت بأنها “الأضخم منذ سنوات”.
وبفعل هذه الحرائق، تم إجلاء أكثر من 50 ألف شخص من 41 بلدة وقضاء نُقلوا إلى مناطق آمنة، بينهم نحو 42 ألفا من قضاء سفري حصار في إزمير وحده، إلى جانب قرابة 3 آلاف من منطقة أكحصار في مانيسا، و1500 من 5 أحياء في هاتاي، إضافة إلى مئات آخرين من ولايات بيلجيك وسكاريا ومناطق متفرقة في شمال غرب البلاد.
ومساء الجمعة الماضي، تمت السيطرة على حريق أوديميس، إلى جانب 6 حرائق غابات أخرى، معظمها في غرب ووسط تركيا، رغم أن رجال الإطفاء ما زالوا يحاولون السيطرة على حريق في منطقة دورتيول الساحلية الجنوبية في محافظة هاتاي.
وفيما يتعلق بالخسائر البشرية المرتبطة بالحرائق في تركيا، توفي عامل غابات أصيب في حريق بمحافظة إزمير في غرب البلاد متأثرا بجروحه، ما يرفع حصيلة الوفيات إلى 3، في حين أكد وزير الزراعة السيطرة على الحرائق.
ونجت تركيا من موجات الحر الأخيرة، لكن عناصر الإطفاء كافحوا أكثر من 600 حريق غذتها رياح عاتية خلال الأسبوع الماضي في الدولة التي تعاني جفافا.
وأودى الحريق في منطقة أوديميس، على بعد حوالي 100 كيلومتر شرق مدينة إزمير السياحية الخميس، بحياة رجل طريح الفراش يبلغ 81 عاما وعامل غابات يبلغ 39 عاما.
والغريب في الأمر، أن موسم “الجوزاء والسرطان” اجتاح تركيا بشكل كبير، حيث أظهر الطقس انفصاماً كبيراً وتقلباً مستغرب، فقد تساقطت الثلوج (الجمعة) فوق شمال شرقي تركيا، في الوقت الذي كانت فيه مناطق أخرى من البلاد تكافح حرائق الغابات.
ويقول خبراء إن التغير المناخي الذي يتسبب به الإنسان يؤدي إلى حدوث ظواهر مناخية متطرفة بشكل أكثر تواتراً وكثافة، من الجفاف إلى موجات الحر والعواصف الثلجية.
كما تساقطت الثلوج على عدة محافظات في شرق الأناضول؛ منها ريزي وطرابزون وبايبورت وأرضروم، بحسب وسائل الإعلام التركية.
وبعد تركيا، لحقت سوريا بركب الحرائق، وانتشرت فرق الأمم المتحدة على الساحل السوري، حيث يكافح رجال الإطفاء حرائق الغابات لليوم السادس على التوالي.
وفي التفاصيل، فإن الحرائق سريعة الانتشار في محافظة اللاذقية الشمالية الغربية “أجبرت مئات العائلات على الفرار من منازلها، بينما تعرضت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والبنية التحتية الحيوية للتدمير”.
وانضمت فرق لمكافحة الحرائق من تركيا والأردن إلى فرق الدفاع المدني السوري، مقدمة الدعم الجوي بالمروحيات.
وتحاول أطقم الطوارئ إلى اليوم، منع الحرائق من الوصول إلى محمية الفرنلق الطبيعية، بـ “غاباتها الكبيرة والمترابطة”.
ووصف وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري رائد الصالح الوضع بأنه “مأساوي للغاية”.
وقال الصالح إن فرق الدفاع المدني والإطفاء، وبإسناد من طواقم تركية وأردنية، تواصل جهودها لإخماد الحرائق الواسعة المشتعلة في ريف اللاذقية. وركزت جهودها الاثنين على منع وصول النيران إلى محمية الفرنلق المصنفة كإحدى أكبر وأهم الغابات في سوريا.
وتشهد محافظة اللاذقية منذ 6 أيام حرائق غابات هائلة اجتاحت مساحات شاسعة تقدر بنحو 10 آلاف هكتار من الأحراج والأراضي الزراعية، وامتدت إلى جبل البدروسية، مهددة منازل المدنيين ومحمية الفرنلق التي تعد إحدى أكبر الغابات الطبيعية في سوريا.
بدوره، نفى وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، الثلاثاء، أن تكون الحرائق مفتعلة في الساحل السوري، وقال في تصريحات صحافية: “وضعنا حواجز بالطرق الفرعية وحاصرنا المنطقة، ولا يوجد دليل أن الحرائق مفتعلة”.
من جانبه، قال وزير الزراعة السوري الدكتور أمجد بدر، إن الحرائق التي اندلعت في الغابات بمحافظة اللاذقية انتشرت على مساحة 15 ألف هكتار ، وتجري الحكومة حاليا دراسات لتقييم الأضرار في مناطق الحرائق، مضيفاً: “سنعيد المزارعين لمناطقهم بعد السيطرة على الحرائق، وسنعمل على إعادة تأهيل المناطق المتضررة”. كما أكد أن الأضرار الناتجة عن الحرائق كبيرة جدا.
ومنذ أيام، اندلع حريق كبير في مصر، بسنترال رمسيس، نتج عنه مصرع 4 أشخاص من العاملين، أما عدد المصابين الذين تم نقلهم إلى مستشفيات القبطي وصيدناوي والمنيرة والهلال والدمرداش الجامعي، بلغ 27 مصابًا، فيما تم تقديم خدمات إسعافية لحالات اختناق دون الحاجة إلى النقل، بحسب وزارة الصحة المصرية.
وفي التفاصيل، بدأ الحريق من السطح وامتد إلى الطوابق السفلية. ووصلت سيارات الإطفاء بسرعة، وبدأت قوات الإطفاء بإخماد الحريق، وأحضروا السلالم، وحاولوا إخلاء الموظفين العالقين في الطوابق العليا من الدخان والنيران. ونقلت سيارة الإسعاف حالات الاختناق أو الإصابات الأخرى، إلى المستشفى.
وقال المهندس محمد نصر العضو المنتدب والرئيس التنفيذي للشركة المصرية للاتصالات إن “الحريق اندلع داخل إحدى صالات الطابق المخصص لاستضافة مشغلي الاتصالات، والذي يضم صالات منفصلة لكل مشغل، وقد امتد الحريق إلى الأدوار الأخرى نتيجة لشدته”.
وأفاد مصدر أمني مصري أنه تم منع انتشار الحريق إلى المبنى بأكمله وإلى أسطح المباني المجاورة، موضحا أن الفحص الأولي أشار إلى أن الحريق ناجم على الأرجح عن ماس كهربائي.
وأعلن التلفزيون الرسمي المصري، احتواء الحريق، مساء الاثنين، بعدما تسبب في انقطاع الاتصالات في جميع أنحاء العاصمة.
وتسبب الحريق في توقف المكالمات الهاتفية، وتعطيل الوصول إلى الإنترنت، حيث ذكرت مجموعة مراقبة الإنترنت “نت بلوكس” أن بيانات الشبكة أظهرت أن الاتصال على مستوى البلاد بنسبة 62% من المستويات العادية.
وبالإضافة إلى المكالمات الهاتفية، تأثرت بعض الخدمات المصرفية الرقمية، بما في ذلك بطاقات الائتمان وأجهزة الصراف الآلي والمعاملات الإلكترونية، وفقًا لمصدر مصرفي وشهود عيان، الاثنين. ونتيجة الحريق، علت في السماء سحب دخان رمادية كثيفة حيث شُوهدت من أعلى أحد الكباري.
إلى جانب ذلك، عادت إلى العمل تدريجيا، الأربعاء، غالبية القطاعات والأنشطة المتضررة في مصر من الحريق الكبير الذي طاول مبنى سنترال رمسيس في القاهرة، يوم الاثنين، وهو أحد أبرز مراكز الاتصالات في البلاد. وتسبب الحريق في اضطرابات جزئية بعدد من الخدمات الرقمية والمالية طاولت عدة قطاعات في مقدمات البنوك والخدمات المالية والبورصة والاتصالات والمحاكم والطيران.
وشملت الاستعادة التدريجية خدمات الإنترنت الثابت والمحمول، وأنظمة الدفع الإلكتروني، وشبكات الصراف الآلي، إضافة إلى عودة التداول في البورصة المصرية بعد تعليق احترازي لجلسة الثلاثاء. كما أكدت وزارة الطيران المدني انتظام حركة الملاحة دون تأثير مباشر، مع تجاوز الأعطال البسيطة في أنظمة تسجيل الركاب.
ورجحت تقارير أولية حدوث الحريق الذي نشب في مبنى السنترال بوسط القاهرة مساء الاثنين بسبب “ماس كهربائي” فيما يقوم خبراء المعمل الجنائي برفع آثار الحريق للوقوف على أسبابه.
ويعد مبنى سنترال رمسيس مركز بيانات ضخماً يضم عدداً كبيراً من الخوادم والأجهزة الإلكترونية الحساسة، التي تحتاج إلى تبريد دائم، إذ يستهلك كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية لتشغيل أجهزة المبنى.
وبحسب وسائل إعلام مصرية، ما إن ينشب حريق داخل أحد المباني الكبيرة في مصر، حتى يتم توجيه أصابع الاتهام إلى “الماس الكهربائي” باعتباره “متهماً اعتيادياً ورئيسياً” في معظم الحرائق الكبرى في مصر، على غرار حريق “مجلس الشورى” عام 2008، وحريق مركز المؤتمرات الدولي بمدينة نصر عام 2015، وحريقي سوق الرويعي بمنطقة العتبة بوسط القاهرة، في عامي 2016 و2024، وحريق كنيسة أبو سيفين بحي إمبابة بالجيزة، عام 2022 الذي راح ضحيته 41 شخصاً.
ويعد حريق سنترال رمسيس أحدث حلقات مسلسل “حرائق مصر الكبرى” وأكبرهم تأثيراً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. إذ تسبب تعطل السنترال الذي يُوصف بأنه “قلب مصر النابض” بشلل ملفت في مجالات الاتصالات والإنترنت ونظم عمل الشركات والبنوك.
وهنا، تندرج إجراءات عامة على صعيد جميع الدول المذكورة التي تتعرض للحرائق في هذه الأيام، وأهمها دور الدولة، أي أن اهتمام الدولة بشكل مباشر من ناحية تأمين جميع المستلزمات والكوادر للمعالجة، وحتى العقوبات للمتسببين بهكذا حرائق، يؤدي إلى تخفيف وقعها على الدول، وربما تخفيف حدوثها. فهل نستطيع إنقاذ الشرق الأوسط قبل فوات الأوان؟














