أكد نائب الأمين العام لـ”حزب الله”، الشيخ نعيم قاسم، أن الحزب لم يكن على علم مسبق بعملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مشيرًا إلى وصول الخبر إلى سماحة السيد حسن نصر الله بعد نحو نصف ساعة من بدء العملية، وقال: “عرفنا بها كما عرف العالم، ولم يكن هناك أي تنسيق مسبق”.
أوضح قاسم أن قيادة حماس في غزة اتخذت قرار تنفيذ العملية بشكل مستقل دون إبلاغ أي طرف، وأضاف: “حتى إيران لم تكن على علم مسبق، وبعض قيادات حماس في الخارج لم تكن على دراية بها”.
رد “حزب الله” أولًا بقصف مزارع شبعا في اليوم التالي للعملية، باعتبارها أرضًا لبنانية محتلة، ضمن موقف داعم للمقاومة الفلسطينية، مؤكدًا أن قرار المساندة اتُّخذ بالإجماع في مجلس الشورى، وحذر من أن الحرب الشاملة كانت ستؤدي إلى دمار واسع وتدخل أميركي مباشر وتوسّع خطير للصراع دون ضمان تحقيق الأهداف.
شدد على أن المواجهة كانت مدروسة بعناية لخدمة غزة وحماية لبنان، ونقل عن السيد حسن نصر الله قوله: “نحن لا نريد حربًا في لبنان”. أكد أن الشهيد محمد الضيف أرسل رسالة إلى الحزب بعد بدء العملية، وأن قيادة حماس أبلغت الحزب بعد شهرين من القتال بأن المساندة كانت كافية وفعالة.
فسر قاسم مفهوم “وحدة الساحات” بأنها فكرة لم تتبلور تنظيميًا حتى الآن، وأن كل ساحة واجهت الاحتلال حسب ظروفها وتقديراتها.
أشار إلى أن إيران درست الواقع وقدمت الدعم العسكري والمالي والسياسي والإعلامي والاستخباري بشكل متكامل.
وصف تفجيرات “البيجر” بأنها ضربة كبيرة، وكشف أن اجتماع شورى الحزب في 18 أيلول/سبتمبر كان حادًا، حيث كلف لجان تحقيق مركزية وفرعية لمتابعة الملف.
أوضح أن شراء أجهزة البيجر المتفجرة تم خلال السنة أو السنة ونصف الأخيرة، وأن الثغرة الأساسية كانت الاعتقاد بأنها مموهة، لكنها كانت مكشوفة للعدو الإسرائيلي، وأشار إلى أن المتفجرات كانت استثنائية ولا تكشفها آليات الفحص التقليدية، مما يفتح باب النقاش بين التقصير والقصور.
أفاد بأن الحزب لم يكن يعلم أن سلسلة الشراء مكشوفة، وكشف عن محاولة شحنة جديدة من 1500 بيجر مفخخ متجهة إلى تركيا، وطلب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التواصل مع الرئيس التركي أردوغان لمصادرتها.
تحدث عن ثغرات أمنية في شبكة الاتصالات، وأوضح أن التنصت الإسرائيلي كان أوسع من المتوقع وشبه شامل، مما حد من فعالية العمل البشري، لكنه أكد عدم وجود دلائل على خرق بشري واسع أو نوعي داخل “حزب الله”، مع استمرار التحقيقات ووعد بالكشف عن النتائج أمام الرأي العام.
أكد أن الحزب “عاد ووقف على قدميه رغم التضحيات الكبيرة”، معتبراً أن تلك التضحيات أعطته زخمًا جديدًا، ومشددًا على أن “هكذا حزب وهكذا مقاومة لا يهزمون”.
ذكر أن الحزب انتصر بالاستمرارية ومنع إسرائيل من التقدم إلى الداخل اللبناني، وحافظ على وحدة الداخل رغم محاولات إثارة الفتنة، مؤكداً أن إسرائيل اضطرت لإبرام اتفاق مع الحزب عبر الدولة اللبنانية.
علّق على الغارات الإسرائيلية الأخيرة على 9 مبانٍ في الضاحية الجنوبية، واصفًا إياها بأنها نفذت بالتعاون الكامل مع الأميركي وبإرشاداته، واعتبر أن المشروع الأميركي يعتمد على ممارسة الضغوط السياسية عبر إسرائيل بدلًا من الحرب.
حذر من نفاد الصبر قائلاً: “عمليًا لا نستطيع أن نبقى صابرين إلى ما شاء الله، هناك حدود”، مشيرًا إلى أن المواجهة ستكون عند اتخاذ القرار، وأن خيار الحزب هو “النصر أو الشهادة” دون خيار للاستسلام.
وجّه تحية إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، وقائد الجيش وكل المسؤولين على موقفهم الموحد بعد قصف الضاحية، واصفًا استشهاد السيد حسن نصر الله بأنه لم يكن مفاجئًا للعالم فقط، بل للحزب أيضًا.
وأكد دخول الحزب مرحلة جديدة لها معطياتها وأدواتها وإمكاناتها، وقال: “هكذا شعب، وأمة، وحزب، ومقاومة لا يهزمون”.
أكد الشيخ قاسم أن التجربة الطويلة داخل مجلس شورى الحزب أكسبته ومعه قيادة “حزب الله” إلمامًا عميقًا بكيفية إصدار القرار العسكري وإدارته، مشيرًا إلى أن الحزب يتمتع بهيكلية متماسكة تُعتمد فيها المشورة، وتُتخذ فيها القرارات داخليًا دون فرض من الخارج، حتى من الحلفاء.
وقال قاسم إن “كل مراكز القيادة العسكرية كانت موجودة ومملوءة ولم يكن هناك موقع شاغر، ووضعنا البدائل بسرعة”، مشددًا على الجاهزية الكاملة للحزب رغم الاستهدافات والخسائر، وأكد: “لن أتكلم عن أعداد الكوادر أو الإمكانات العسكرية، لكنها تُرمم، ونحن نتعافى وجاهزون الآن”.
وأشار قاسم إلى أن الصمود الأسطوري في جبهات القتال نتج عن عنصرين: أولًا الشباب المقاومون الذين قاموا بعمل نوعي، وثانيًا الدعم الآتي من الخارج، وتحديدًا من الحلفاء، مؤكدًا أن الدعم الإيراني كان حاضرًا بأقصى ما يمكن، دون أن يتجاوز القرار اللبناني.
وأوضح قاسم أن “المشورة الإيرانية موجودة، لكن القرار في النهاية مرتبط بالهيكلية الداخلية وبطريقة الإدارة في حزب الله”. ونفى أي دور إيراني مباشر في اتخاذ القرارات المصيرية، قائلًا: “ليس صحيحًا أن الإيراني هو من ناقش الاتفاق (الترسيم البحري)، بل نحن من اتخذ القرار، ونحن من أبلغ الموقف اللبناني الرسمي به، وهو قرار لبناني”.
وأضاف أن الرئيس نبيه بري أرسل إلى “حزب الله” المقترح الذي ناقشه مع الوسيط الأميركي عاموس هوكستين، وتمت مناقشته داخل الشورى، وأُقرّ بالإجماع قبل أن توافق عليه الدولة اللبنانية في المفاوضات غير المباشرة.
وفي سياق توصيف العلاقة مع إيران، قال قاسم إن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي كان يتابع الأحداث في غزة ولبنان يوميًا، ويتلقى التقارير، وكان دائمًا يوجه المسؤولين إلى تقديم الدعم والمساندة.
وفي ما يتعلق بسوريا، اعتبر قاسم أن ما حصل هناك مثّل “خسارة لمحور المقاومة”، لأنها كانت طريقًا رئيسيًا للدعم العسكري، وكان النظام السوري داعمًا للمقاومة، وبالتالي تأثر الوضع في غزة سلبًا نتيجة الأحداث في سوريا.
وجدد التأكيد على أن “حزب الله” لا علاقة له بالوضع السوري الداخلي، قائلاً: “نتمنى أن يقف النظام السوري في مواجهة ’إسرائيل‘”. لكنه في الوقت ذاته شدد على صعوبة قراءة مستقبل سوريا حاليًا، موضحًا: “الاغتيالات والقتل تمثل خطرًا كبيرًا، ولا نعرف شكل النظام السوري الذي سينشأ، وهل سيكون الجميع ممثلًا فيه”.
وأشار إلى أن ما برز من اتجاهات تطبيعية مع “إسرائيل” في سوريا خطر جدًا، لكنه أعرب عن ثقته بالشعب السوري، معتبرًا أنه “لن يقبل بالتطبيع، لكن كيفية ترجمة هذا الرفض مسؤولية السوريين أنفسهم”.
وأضاف: “نتمنى أن توفّق سوريا في إقامة نظام حكم يضم كل الأطياف، وأن يقف الجميع هناك ضد ’إسرائيل‘ وضد التطبيع”. ونفى بشكل قاطع وجود مشروع لمقاومة سورية تابعة لـ”حزب الله”، قائلاً: “لا علاقة لنا بالمقاومة في سوريا، وليس لدينا مشروع مؤسس هناك”.
وحول بعض الأحداث الداخلية، أكد قاسم أن الاعتداءات على مدينة الهرمل كانت محاولة لزج اسم “حزب الله” في المواجهة، مشيرًا إلى أن الحزب تواصل فورًا مع الجيش اللبناني الذي حضر وتولى الأمر. وأضاف: “لا علاقة لنا بأحداث الساحل السوري، ولا علاقة لنا بشكل النظام أو كيفية صياغته، ولا حتى بالمقاومة هناك، إن وُجدت”.
وفي سياق متصل، عبّر قاسم عن تقديره لمواقف المسؤولين اللبنانيين، لا سيما رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، الذي “كان واضحًا منذ اللحظة الأولى”، بحسب تعبيره. وأوضح أن عون شدد منذ بداية التصعيد على ضرورة انسحاب الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة الأسرى، وبدء عملية الإعمار في غزة ولبنان.
وقال: “في حزبنا لا يوجد عسكر وسياسة، لأن الحزب بكامله عسكري وسياسي”، مضيفًا أن قرار الدخول في الحرب جاء ردًا على عدوان، وبالتالي من الطبيعي أن يكون الحزب مستعدًا للتوقف عندما يتوقف العدوان، “فنحن لم نكن من بدأ”.
ورأى أن”شيعة” لبنان يتعرضون لتهديد وجودي إذا لم يبقوا واقفين على أقدامهم وما لم تتوقف الضغوط ومحاولات إثارة الفتنة.
وأضاف: “عند بناء لبنان الجديد أول من أنقذ الاختيارات هم حركة أمل وحزب الله ونحن شركاء في بناء الدولة”.
وتابع: “هناك من يعمل على أساس أنه يجب ألا نكون كحركة أمل وحزب الله شركاء في بناء الدولة وقيام لبنان”.
وقال الأمين العام لـ”حزب الله”، الشيخ نعيم قاسم، إنّ بعض الأطراف في الداخل اللبناني “يخشون من قوتنا ولا يريدوننا، بينما نحن نعطي الجميع ونأخذ من حصتنا فقط لمصلحة قيام لبنان”، مشيرًا إلى أن الحزب لا يعارض الحوار مع أي جهة سياسية، كاشفًا عن لقاءات متباعدة “تحت الهواء” مع حزب الكتائب اللبنانية، وتواصل مع تيار المستقبل، وإن كان هذا الأخير لم يُفعّل دوره في هيكلية سياسية فاعلة.
وأضاف قاسم: “عندما كان الرئيس سعد الحريري في لبنان، كنا نعد العلاقة مع تيار المستقبل أساسية ونسميه رئيس حكومة”. وكشف عن نية الحزب إطلاق حراك سياسي واسع وشامل في المرحلة المقبلة مع كل الأطراف اللبنانية، بالتوازي مع تنسيق وتنظيم الأدوار على الساحة الداخلية وتوزيع المهمات، مشيرًا إلى تكليف لجان مختصة لدراسة استراتيجيات العمل للمرحلة المقبلة، “لاستخلاص الدروس من السلبيات والإيجابيات”.
وفي الشأن الإقليمي والدولي، أكد قاسم أن “الدول العربية، وخصوصًا الخليجية، مهتمة جدًا بأن يكون لها حضور في لبنان، وقد رحبنا بذلك”، مشددًا على أن لا مشكلة لدى الحزب في العلاقات مع الدول العربية والخليجية “على قاعدة الندية”. كما عبّر عن دعم “استمرار عمل قوات اليونيفيل” بشرط التزامها بمهماتها، وعدم دخولها إلى الأملاك الخاصة والقرى اللبنانية.
وشدد قاسم على أن حزب الله كيان مقاوم قائم بذاته، وهو الأكبر في لبنان، ووجوده ليس مرتبطًا بالسلاح، بل السلاح هو ما حفظ قوة لبنان ومناعته. وأضاف: “حزب الله هو من أخرج الاحتلال الإسرائيلي من لبنان، والبلد كان منتعشًا اقتصاديًا بعد عدوان تموز لأن إسرائيل كانت مرتدعة”.
في ما يخص التوافق الوطني، قال قاسم: “التوافق ليس عباءة تُفصل على قياس أطراف محددة، بل هو توافق على قياس الوطن”، مطمئنًا إلى أن “الوحدة داخل الحزب متينة رغم بعض التباينات في الآراء، لكن القيادة واحدة والخط واحد”.
وتعهد الشيخ قاسم بالالتزام بالخط الذي رسمه “سيد شهداء الأمة” سماحة السيد حسن نصر الله، مؤكدًا أن هذه المبادئ تمثل “أصل وجود الحزب والمفتاح الأساسي له”. وأضاف: “نحن ملتزمون بثوابتنا، ومنها الإيمان بتحرير فلسطين، ونحن مع وحدة المسلمين، ولا نعترف بأي فتنة سنية-شيعية”.
وأكد أن الحزب “مع الوحدة الوطنية، وبناء الدولة واحترام الدستور وتطبيق اتفاق الطائف”، مضيفًا أن هدفه قيام بلد موحد بمؤسساته.
وفي العلاقة مع إيران، قال قاسم إن الجمهورية الإسلامية بقيادة السيد علي خامنئي “هي الحليف الأكبر لحزب الله”، واصفًا العلاقة بأنها “علاقة وفاء وعزة ومنعة”، وأنها “خط أحمر بالنسبة إلينا”، مشيرًا إلى أن “إيران أعطتنا كل شيء ولم نُعطِها شيئًا، وهي لا تفرض علينا شيئًا بل نتوافق معها في الرؤية والسياسة”.
كما حيّا قاسم محور المقاومة، مؤكدًا أهمية الإبقاء على علاقة متينة مع جميع أطرافه، خاصة اليمن “الواقف وحده نصرة لغزة بينما العالم يتفرج”. كما حيّا العراق، مرجعيةً وشعبًا وحشدًا، على دعمه المتواصل، مؤكدًا نية الحزب تعزيز العلاقات مع بغداد وفتح قنوات جديدة ضمن السياسات الكبرى.
وأشاد قاسم بما وصفه دور “العروبيين الحقيقيين”، قائلاً إن حزب الله هو من حافظ على استمرارية الحضور العروبي من خلال مشاركته الفاعلة. وأكّد استمرار التعاون مع كل القوى السياسية التي تؤمن بفلسطين والوحدة العربية والإسلامية.
وختم الشيخ قاسم بكلمات مؤثرة بحق السيد حسن نصر الله، واصفًا إياه بـ”سيد شهداء الأمة وقائد قلّ نظيره عبر التاريخ”، مضيفًا: “كان يتحدث من القلب، ولا يعبر عن حب غير نابع من القلب. نفتقدك، وكنت ترفع عنّا كثيرًا من الأحمال. كنتُ من الذين ينتظرونك ويسمعونك لأنك كنت تبرد القلب وتقوّي العزيمة”.
وأضاف: “أنت ارتقيت وحصلت على ما تريد، ونحن أطلقنا شعار “إنّا على العهد”، أي إننا مستمرون”.














