الخميس, ديسمبر 25, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderهكذا تمكنت "إسرائيل" من اغتيال علماء "النووي الإيراني".. ولكن!

هكذا تمكنت “إسرائيل” من اغتيال علماء “النووي الإيراني”.. ولكن!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

توقّفت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في تحقيق لها، عند كيفية تعقّب “إسرائيل” مؤخراً لعلماء البرنامج النووي الإيراني، حيث أسفرت ضرباتها في شهر يونيو/حزيران المُنصرم عن اغتيال ستة عشر باحثًا إيرانيًا بارزًا، كانوا مشاركين في تطوير قنبلة نووية. وبموجة الاغتيالات غير المسبوقة هذه، تعتقد “إسرائيل” أنها وجهت الضربة الأكثر حسماً للبرنامج النووي العسكري الإيراني.

بحسب “لوموند”، كانت “إسرائيل” تراقب تحركات هؤلاء الرجال منذ عشرين عامًا. سبق أن حاولت اغتيال أحدهم، فريدون عباسي، في عام 2010. هذا الفيزيائي، وهو أيديولوجي متشدد، قفز من سيارته مع زوجته قبل لحظات من انفجار قنبلة زرعها على الأرجح عملاء إسرائيليون. كانت تلك أول موجة اغتيالات تُنسب لـ”إسرائيل” ضد علماء نوويين إيرانيين.

عُيّن عباسي لاحقًا نائبًا لرئيس الجمهورية ورئيسًا للمنظمة الوطنية للطاقة الذرية، حيث عارض بشدة أي اتفاق دولي يقيّد البرنامج النووي الإيراني. وقد توفي في 13 حزيران/يونيو، ودفن إلى جانب زملاء له من “هيئة الابتكار والبحث الدفاعي” (SPND)، وهي هيئة متّهمة بتطوير برنامج عسكري سري لتخصيب اليورانيوم منذ التسعينيات.

رغم أن أنظار العالم تركزت على الضربات الأميركية في 22 حزيران/يونيو ضد منشآت التخصيب العميقة في “فوردو” و”نطنز” و”أصفهان”، فإن “إسرائيل” تعتبر أن أعظم إنجازاتها كان في ضربات أقل وضوحًا وأصعب في التتبع، ضمن مئات الغارات خلال 12 يومًا. ومع أن المعرفة النووية التي اكتسبتها إيران لم تختف، إلا أن “إسرائيل” ترى أن مقتل 16 عالمًا وتدمير المختبرات التي كانوا يعملون فيها كافٍ للقضاء على الشق العسكري من البرنامج النووي الإيراني.

ويقول السفير الإسرائيلي لدى فرنسا، جوشوا زاركا، إن العلماء القادرين على تحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى قنبلة، قد قُتلوا، وإن المواقع التي عملوا بها دُمّرت. “لقد أبعدنا التهديد لعدة سنوات جيدة”، حسب تعبيره.

في 13 حزيران/يونيو، قُتل تسعة علماء على الأقل من SPND، ونجا عاشر هو محمد رضا صديقي صابر، لكن قُتل ابنه البالغ 17 عامًا في منزل العائلة بطهران. فرت العائلة إلى مدينة “أستانة أشرفية” قرب بحر قزوين، لكن “إسرائيل” اغتالت صابر هناك في 25 يونيو قبل ساعات من بدء وقف إطلاق النار. وأسفرت الضربة عن مقتل 13 من أقاربه وجيرانه، حسب شقيقه الناجي الوحيد.

يرتبط معظم هؤلاء العلماء، إن لم يكن جميعهم، بالبرنامج القديم “أماد” الذي بدأ في التسعينيات، وهو الأساس للبرنامج النووي الإيراني ذي البعد العسكري، والذي أعيدت تسميته لاحقًا عدة مرات حتى صار يعرف اليوم بـ SPND. ويؤكد السفير الإسرائيلي لدى باريس أن ستة علماء آخرين قُتلوا دون الكشف عن أسمائهم، ولم تؤكد إيران وفاتهم.

تقول “إسرائيل” إن إيران قررت إعادة تنظيم SPND قبل أقل من عامين، وإنها استأنفت مؤخرًا بحوثًا حول ضغط اليورانيوم بالمتفجرات، ومصدر النيوترونات اللازم للتفاعل النووي، وتصغير حجم القنبلة. ويُعتقد أن هذه المشاريع تمت تحت غطاء “الاستخدام المزدوج” ـ مدني وعسكري، وأن الهدف منها كان تجهيز البلاد لصناعة قنبلة بسرعة متى اتُخذ القرار السياسي.

كما تؤكد “إسرائيل” أنها دمرت جميع هذه المواقع، ومنها موقع “سنجريان” الذي شهد بحوثًا على المتفجرات قبل حوالي عقدين، حسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبعد سنوات، أظهرت صور الأقمار الصناعية نشاطًا في الموقع بدءًا من 2022. وفي طهران نفسها، استهدفت “إسرائيل” في أواخر شهر حزيران/يونيو المقر العام لـ SPND. أما موقعها الأحدث، الذي أُسس عام 2013 داخل مركز ترفيهي تابع لوزارة الدفاع، فقد دُمر جزئيًا في منتصف الشهر نفسه في غارة نشرت “إسرائيل” صورها.

أما المبنى الأقدم، المعروف بـ “لافيزان 2”، فقد كان يضم معهدًا للفيزياء التطبيقية وشركة “شهيد كريمي”، وكلاهما خاضع لعقوبات بسبب علاقتهما بالبرنامج النووي. دُمّر في 15 حزيرا/يونيو وكان يحتوي، بحسب “إسرائيل”، على مختبرات لتطوير السلاح النووي. وتقع هذه المواقع قرب جامعة “مالك أشتر”، وهي أيضًا خاضعة للعقوبات.

تفاخرت “إسرائيل” أيضًا بأنها دمرت المصنع الوحيد في إيران لتحويل اليورانيوم الغازي إلى معدن، وهو مكون أساسي للقنبلة. بُني هذا المصنع عام 2004 في قلب منشأة أصفهان، ودُمر في 14 حزيران/يونيو حسب صور أقمار صناعية اطّلعت عليها “لوموند” والتي أشارت إلى أنه توالت بعدها ضربات إسرائيلية وأميركية دمرت المباني المحيطة.

يقول ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، إن “إسرائيل تدّعي أنها دمرت جميع أرشيفات SPND، التي كانت مخزنة في مقره الرئيسي”. وكان “الموساد” قد استولى في 2018 على جزء من هذه الوثائق من مخزن بطهران. ووفقًا للسفير الإسرائيلي لدى باريس، فإن النسخة الأخيرة التي كانت لدى إيران دُمّرت في غارات شهر حزيران/يونيو، إلى جانب وثائق الأبحاث الحديثة.

لكن الخبراء متفقون على أن المعرفة النووية الإيرانية لم تُمحَ. ويقول جيمس أكتون، من مركز “كارنيغي: “لا أعتقد أن إسرائيل يمكن أن تحقق أمنها بالاغتيالات فقط”. فقد كان معظم العلماء الذين قُتلوا يدرّسون في جامعات طهران، مثل جامعة الشهيد بهشتي، الخاضعة للعقوبات الأميركية، وقد نقلوا معارفهم لطلبتهم.

كان فريدون عباسي نفسه يرأس قسم الفيزياء في جامعة الإمام الحسين، التابعة للحرس الثوري. في آخر مقابلة له نُشرت في 25 أيار/مايو، قال عباسي إنه مستعد للموت، وأضاف: “في عمرنا هذا، الجزء الأكبر من المهمة خلفنا. لقد سلمنا المسؤوليات للشباب”.

حتى في “إسرائيل” نفسها هناك خشية من أن جزءًا من البرنامج قد اختفى عن الأنظار. يقول أفنير فيلان، مسؤول أمني إسرائيلي سابق: “فقدت إيران عددًا كبيرًا من علمائها، لكننا نعرف هؤلاء الرجال منذ عشرين عامًا. ولو كنت في مكان المرشد الأعلى، لكنت أنشأت مجموعة بحث سرية خارج AMAD، ومولتها عبر مؤسسة دينية، وأمرت بعدم إعداد أي تقارير قبل إنجاز المهمة”.

تعترف “إسرائيل” بهذه “الزاوية المظلمة”، لكنها تؤكد ثقتها الكاملة في استخباراتها. يقول سفيرها في فرنسا: “نحن لا نستهدف كل الفيزيائيين الإيرانيين. هؤلاء الرجال قُتلوا لأنهم كانوا مشاركين بشكل مباشر في تصنيع قنبلة نووية”. ويضيف أن الضربات لم تقتصر على العلماء، بل استهدفت أيضًا من أصدروا الأوامر، ومنهم أعضاء في المجلس الأعلى للأمن القومي.

لم تنشر “إسرائيل” أي دليل على إعادة تنظيم SPND، أو على حجم الخطر الذي كانت تشكله. لكن أحد المطلعين على البرنامج النووي في “إسرائيل” يذكّر بأن القرار النهائي لتصنيع القنبلة يعود للمرشد الأعلى علي خامنئي، الذي استبعد ذلك صراحة منذ التسعينيات، ثم بعد تجميد جزئي لـ AMAD منتصف 2000. يقول أوزي آراد، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق: “إيران تستطيع استئناف البرنامج في غضون أسابيع ـ الأمر سياسي بالدرجة الأولى”.

هذا الغموض يثير قلق الأوروبيين بشدة، في ظل توقف البرنامج عن الشفافية.. فقد دخلت إيران في مواجهة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي سحبت مفتشيها. يقول دبلوماسي غربي: “كان الاتفاق النووي عام 2015 يمنح قدرًا غير مسبوق من الشفافية. أما الآن، فقد ضحّت إسرائيل بجزء من شبكتها الاستخباراتية لتنفيذ هذه الضربات. والإيرانيون ينفذون عملية تطهير داخلية”.

لا تخفي “إسرائيل” نواياها، فهي وإن كانت تؤيد عودة المفتشين والمفاوضات مع واشنطن، إلا أنها جاهزة لشن ضربات جديدة، دون تحديد عتبة معينة. تسمي هذه الاستراتيجية “قص العشب”: قصف متكرر لإضعاف العدو دون تدمير قدراته تمامًا. وقد استخدمتها في غزة من عام 2007 حتى عام 2023، ومنذ عام 2024 في لبنان وسوريا. فهل ستطبقها على إيران أيضًا؟

يقول أفنير فيلان، المسؤول الأمني الإسرائيلي السابق: “كانت إيران على وشك امتلاك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع عشر قنابل نووية. لذا فإن قص العشب ليس خيارًا سيئًا ـ فالوقت ليس في صالح النظام”. لكن مع كل ضربة، تدفع “إسرائيل” النظام الإيراني إلى الزاوية. ويقول دبلوماسي غربي: “لقد ذهبت إسرائيل بعيدًا لدرجة أنها لن تكون آمنة من دون تغيير في النظام الإيراني”.

وكان علي لاريجاني، مستشار المرشد الأعلى، قال في شهر نيسان/أبريل الماضي، إن إيران “لا تتجه نحو تصنيع الأسلحة النووية”، لكن إن تصرفت القوى الغربية بشكل غير مسؤول، فإن طهران “ستُجبر” على إعادة النظر. واليوم، يُطرح هذا الخيار علنًا. ويقول أفنير فيلان، المسؤول الأمني الإسرائيلي السابق: “لم يكن لدى إيران من قبل هذا القدر من الدوافع لصنع القنبلة. والآن لم يعد للنظام سوى خيارين: إما اتفاق مع واشنطن أو القنبلة النووية. لا طريق ثالثاً بعد الآن”.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img