| زياد أ. يمّين |
لقد بدأت موسكو تقترب من إلحاق هزيمة مدوية بحلف “الناتو” بقيادة واشنطن، فأوكرانيا تعاني من نقص شديد في تعداد الجنود المعبئين، ومن تناقص في الأسلحة والذخائر بسبب قلة تصنيع المورّد الأوروبي. أما المورّد الأميركي، وعدا عن بنيته التصنيعية المتآكلة، فقد بدأ يتخلى عن حرب انهزم فيها أمام الروس، والمؤشر هو برودة إعلامه في الإضاءة على هذا الموضوع بشكل مدروس لكي ينسى الرأي العام العالمي، والأميركي خاصة، هذه الحرب ـ المأساة التي افتعلها مدمراً بها ثاني دولة أوروبية من حيث المساحة بأكملها، على غرار ما فعل في العراق وليبيا وسوريا واليمن. وحتى ولو تأمن تسليح وتذخير مجدداً، فالروس سيدمرونه كما دمروا جميع سوابقه التي أرسلت بآلاف الأطنان إلى نظام زلنسكي. كما أن هذا النظام على سكة فقدان الدعم المالي واللوجستي المدني أيضاً، والذي سمح له بالبقاء واقفا على قدميه منذ بدء المواجهة، وحينها ستتعطل أجهزة الحكم والمؤسسات والمرافق العامة والخاصة، ما قد يؤدي إلى بدء تخلخل الحكم الحالي بعد تململ الشعب الأوكراني الذي بدأ يعي بأنه كان يحارب روسيا بالوكالة عن الناتو وواشنطن، وأن الغرب الأطلسي لا يهتم لأمره ولا لمستقبله، بل هدفه كان إسقاط روسيا كقوة عظمى اوراسية تشكل نداً لهذا الغرب، لتفتيتها ونهب ثرواتها غير المحدودة لإعادة إحياء اقتصاداتهم التي لم يعد لها شيء لكي تقدمه لشعوبها .
وبعكس كييف والغرب، تقف روسيا على جبهة القتال وفي عديدها 700 ألف رجل مدرب ومجهز بأحدث العتاد كماً ونوعاً، من حدود بيلاروسيا وحتى أطراف مقاطعة خرسون (1170 كلم تقريباً)، حيث كسرت جميع خطوط الدفاع الأساسية، من سومي شمالاً والدونباس شرقاً وصولاً إلى مصب نهر الدانوب جنوباً على البحر الأسود، وجيشها يرتكز في حربه على إيمان عقائدي بأن الحرب التي يخوضها تعود أحقية جغرافيتها لوطنه الأم في التاريخ والدين والهوية الوطنية الجامعة. ومعلوم أن الطرف المنتصر في أي حرب يكون ذاك الذي يؤمن بالانتصار أكثر. من هنا يتقدم الجيش الروسي حالياً على محوري بوكروفسك وكوستانتينوفكا، وهما لبّ المعارك الآن في مقاطعة دونتسك، لإقامة فكي كماشة داخل قطاع كبير يمتد من تشاسوف – يار شمالاً إلى حدود مقاطعة دنيبرو ـ بتروفسك جنوباً، لمحاصرة نخبة الفرق الأوكرانية المقاتلة هناك، ولقطع اللوجستيات عنها، ما قد يسقط الدونباس بكامله بيد الروس، وحينها بمقدوره الالتفاف على باقي المناطق التي ضمها، من الشرق والشرق ـ الشمالي بالتوازي مع قواته التي بدأت هجومها الصيفي من الجنوب. وإذا ما قام بذلك، ستكون الطريق نحو أوديسا غرباً شبه سالكة لقطع الطريق نهائياً على حلف “الناتو” حتى لا يكون له أي موطئ قدم في هذا البحر، ما سيشكل كارثة جيو – عسكرية وجيو – اقتصادية على هذا الحلف، وتالياً هزيمة سياسية لنفوذه ولنفوذ أميركا هناك وفي البلقان وفي جنوب – شرق الاتحاد الأوروبي.
ومن ملامح اقتراب النصر الروسي، أن العقوبات التي فرضت على اقتصادها قد ساهمت بانتعاشه بدل انكماشه، حيث زاد ناتجها الإجمالي بنسبة 4,7 % عما كان عليه قبل الحرب، ما ساهم في تقوية مجمعها الصناعي العسكري لإنتاج حاجتها من عتاد وذخيرة ومعدات، وهو يعتمد حالياً في تصنيعه العسكري على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وعلى مبادىء فيزيائية جديدة لطالما كان الروس سباقين فيها (الصواريخ فرط – صوتية) وبما يتلاءم مع طبيعة وبيئة الحرب الأوكرانية في المناخ والتضاريس على مدى الفصول الـ4.
هي ملامح واضحة بدأت تنجلي من وراء الغبار في أوكرانيا، وتؤشر إلى انتصار روسيا الاتحادية وحيدة في أوكرانيا على مجموع الغرب بقيادة الأميركيين، وهذه الملامح بدأت تظهر بعد كسر هجوم الأوكران الكبير في صيف 2023، وبعدما بدأ الروس باختراق خطوط الدفاع الرئيسية ابتداءً من خريف العام نفسه، وخاصة بعد تحرير مقاطعة كورسك في الربيع المنصرم، وجل ما يستطيع نظام كييف الحالي فعله، ومن وراءه الغرب وواشنطن، هو تأخير هذا النصر ليس إلّا.














