
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن عملية “مطرقة منتصف الليل” قد “محت بالكامل” منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية.
لكن، تفيد المعلومات الاستخباراتية الغامضة أن احتواء النظام الإيراني يحتاج إلى سنوات من استعراض القوة الأميركية. فبعد النشوة، الشك.
لكن الآن، يشير تقييم استخباراتي مبكر، سُرّب في 24 حزيران/يونيو، إلى أن البرنامج النووي قد تأخر لأشهر فقط، وأن بعض اليورانيوم المخصب ربما يكون قد تم إبعاده.
إن التقرير يُعد تقييمًا أوليًا وبدرجة ثقة متدنية، رفضته إدارة ترامب والمصادر الإسرائيلية. لكنه يُركّز الضوء على مشكلة أكبر، وهي أن ترامب يريد حلًا سريعًا للكابوس الإيراني بضربة ضخمة واحدة وواضحة، يتبعها وقف إطلاق نار، ثم ازدهار. إلا أن الحقيقة غير ذلك، فأميركا ستواجه سنوات من عدم اليقين حول قدرات إيران النووية.
وعليه، فافتراض ترامب بأنه يستطيع تحقيق نصر حاسم، وفي يوم واحد في الشرق الأوسط، ثم تأمين صفقة دائمة وسريعة، افتراض في غير محله.
والأخبار الجيدة لترامب هي أن وقف إطلاق النار، الذي أُعلن عنه في يوم 24 حزيران/يونيو، مستمر، كما أن التقرير المسرّب من وكالة الاستخبارات الدفاعية ليس قاطعًا. وسيتعرض للمراجعة، وستظهر عدة تقييمات مخالفة من وكالات استخبارات أميركية أخرى.
وتؤكد مصادر إسرائيلية أن صور الأقمار الاصطناعية لا تُظهر وحدها إلا القليل نسبيًا عن فعالية الضربات تحت الأرض، وتُصر على أن “إسرائيل” احتفظت بسجلات اليورانيوم عالي التخصيب. وقال نائب الرئيس، جيه. دي. فانس، في 23 حزيران/يونيو، إن اليورانيوم ربما “دُفن” تحت الأنقاض.
وتعتقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، أن أضرارًا جسيمة قد وقعت في موقعي التخصيب الرئيسيين. ويقول خبراء إن الانفجار ربما أحدث موجات كافية لإتلاف أجهزة الطرد المركزي الهشة، حتى لو لم يُدمّر الهياكل الإسمنتية الرئيسية تحت الأرض.
إن هذا الغموض الجنوني ليس عيبًا، بل هو طبيعة متأصلة في الحروب التي تُشن من الجو. ولكنه يطرح سؤالًا مقلقًا، وهو: إذا تمسّك قادة إيران بالسلطة واستمروا في محاولات تطوير برنامج نووي سري، فإن التعامل معهم سيتطلب التزامًا عسكريًا أميركيًا طويل الأمد تجاه المنطقة. فهل أميركا مستعدة حقًا لذلك؟
والجواب “ربما”، ذلك أن الرئيس ترامب تحدّث عن وقف النار بأنه سيظل للأبد، وقدم مقارنة، في 24 حزيران/يونيو، بين قنابله الخارقة للتحصينات على نطنز وفوردو والقنبلة النووية الأميركية على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية: “التي أنهت الحرب، وهذه أنهت الحرب”.
وعلّق فانس أن عقيدة ترامب الجديدة في السياسة الخارجية لـ”تغيير العالم” تحتوي على “تحديد واضح” للمصالح الأميركية، ومفاوضات “عدوانية”، وإذا لزم الأمر، اللجوء إلى “القوة الساحقة”.
ومع ذلك، إن التوقعات بشأن إيران تبدو أكثر غموضًا.
قد تُفوّض أميركا مهمة قمع الجيش الإيراني وأي برنامج نووي قائم إلى “إسرائيل”، التي أظهر جواسيسها مهارة استثنائية في اختراق النظام، والتي يسيطر طياروها على الأجواء. ومع ذلك، فإن “إسرائيل” بلغت أقصى قدراتها، وستُعيد إيران بناء دفاعاتها. قد تضطر أميركا إلى تقديم دعم وأسلحة مستمرة، وقد يُطلب منها الدفاع عن “إسرائيل” والخليج من الغارات الإيرانية. وربما اضطرت لإرسال المقاتلات مرة أخرى لضرب أهداف لا تستطيع “إسرائيل” الوصول إليها.
إن أميركا أصبحت شريكة داعية للحرب مع “إسرائيل” وتولّت الملف النووي الإيراني. ولو انهار النظام في طهران، فسيُطلب من ترامب التدخل ومحاولة وقف انتشار الفوضى بالمنطقة. ويخشى البعض في أميركا أن هذا يصل إلى حد “الحرب الأبدية” ومواصلة بذل الجهود لاحتواء إيران المتمردة، وهو ما سيجرّ أميركا إلى مستنقع إيران.
وهناك من يُقارن بين حرب الخليج الأولى عام 1991، عندما طردت أميركا العراق من الكويت بدون أن تُطيح بنظام صدام حسين. وبدلًا من ذلك، حاولت السيطرة على أسلحة الدمار الشامل التي زُعم أنه يملكها. ولتحقيق هذا، فُرض نظام تفتيش صارم ومناطق حظر الطيران والقصف.
يقول ريتشارد فونتين، من مركز الأمن الأميركي الجديد، في واشنطن: “إذا غيّرت حرفًا واحدًا فقط في اسم الدولة، فقد يصبح كل شيء مألوفًا بشكل مخيف”.
ويُضيف فونتين: “السيناريو الأقل ترجيحًا هو أن تختفي إيران ببساطة كتهديد أمني”.
فقد كان احتواء العراق المُرهق مقدمة لغزو عام 2003. إن البديل عن تغيير النظام هو محاولة تحويل النجاح العسكري إلى تسوية سياسية دائمة.
وفي هذا المجال، فشل رؤساء سابقون. فقد قادت محاولة رونالد ريغان لحفظ السلام في لبنان إلى هجمات انتحارية على جنود ودبلوماسيين أميركيين عام 1983.
تسببت الحملة الجوية لباراك أوباما في ليبيا عام 2011 في حرب أهلية لا تزال مستعرة. وقد استحضر ترامب شعار ريغان ونسبه لنفسه: “السلام بالقوة”.
ومن هنا، إن الأولوية هي الحد واحتواء البرنامج النووي الإيراني، مع أن هذه الجهود تشتمل على وقف الحرب في غزة، وتحقيق اتفاقية تطبيع بين السعودية و”إسرائيل”.
الأولوية هي تقييد البرنامج النووي الإيراني (على الرغم من أن الجهد قد يمتد بشكل معقول إلى إنهاء حرب “إسرائيل” في غزة وتعزيز اتفاقية التطبيع بين “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية).
وما يهم في كل هذا هو التوصل لاتفاق يُجبر إيران على التخلي عن قدرتها على تخصيب اليورانيوم والتنازل عن مخزونها من المواد الانشطارية المخصّبة إلى درجة نقاء بنسبة 60٪، وهو ما يقترب من درجة صنع الأسلحة. لكن إيران أصرت دائمًا على حق التخصيب للأغراض “المدنية”.
وقد يجد ترامب أن إغراءاته بشأن التجارة وكسب المال والصداقة مع أميركا، ليست كافية لإغراء المتشددين الجدد في إيران الذين شعروا بالانزعاج بعد نجاح الهجوم الإسرائيلي والتوتر من افتقارهم إلى الردع. وكلما ضغط ترامب بقوة من أجل “صفر تخصيب”، زادت صعوبة إقناع إيران بالتوصل إلى اتفاق.
ولإقناع قاعدته من “ماغا”، قال ترامب إن إظهار القوة لفترة قصيرة سيُحقق نتائج. ولو عاد ترامب للتهديد باستخدام القوة من جديد، فستتوصل قاعدته الانتخابية إلى أنه يقود أميركا إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.
وفي المقابل، لو قرر ترامب الالتزام بإستراتيجية احتواء طويلة الأمد لإيران، فسيضطر لتحويل الأصول العسكرية الأميركية التي من المفترض أنها موجّهة لآسيا. فقد نصّت التعليمات الدفاعية الوطنية المؤقتة للإدارة، الصادرة في آذار/مارس، على أن أولويات الجيش الأميركي من الآن فصاعدًا هي الدفاع عن الوطن، ومنع الغزو الصيني لتايوان.
ولم يستغرق الأمر سوى ثلاثة أشهر حتى فرضت الأحداث واقعًا مختلفًا جدًا.














