| غاصب المختار |
بدا من مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول العدوان على إيران، و”إعجابه” الشديد بالعمل الاستخباري والعسكري للكيان الإسرائيلي وطريقة تنفيذ العدوان، وقوله إن مهلة الشهرين التي منحها لإيران للموافقة على الاتفاق النووي انتهت قبل يومين بمنحها يوماً اضافياً… إنه وافق بشكل صريح على العدوان الذي لم يكن عادياً هذه المرة بل واسعاّ جداً وتدميرياً بشكل كبير، بخاصة للمنشآت النووية الإيرانية، ولو أنه طال البنى التي تقع فوق الأرض لا في باطنها على عمق مئات الامتار.
والأخطر، أن ترامب بدا، خلال الشهرين الماضيين، أنه يراوغ إيران للإمتثال لكل شروطه في المفاوضات، وان إدارته المتصهينة بشكل فاقع كانت تكسب الوقت لمصلحة إنجاز الكيان الإسرائيلي كل خططه وإجراءاته العسكرية، ليتمكن رئيس الكيان بنيامين نتنياهو من تنفيذ العدوان بالشكل الذي شاهده لعالم. وهو الأمر الذي ينسحب أيضاً بالمراوغة على التعامل الأميركي مع حرب الإبادة الإسرائيلية على شعب فلسطين وغزة، ومع الحرب على لبنان، بحيث تحقق “إسرائيل” كل مشاريعها وخططها في فلسطين ولبنان.
لذلك، فإن أول انعكاس فوري للعدوان على إيران، كان في تأجيل مؤتمر “حل الدولتين”، الذي كان يفترض أن ينعقد الثلاثاء المقبل في الأمم المتحدة بترتيب من السعودية وفرنسا لوقف الحرب على غزة، والبحث في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يرفضه كيان الاحتلال منذ سنوات طويلة، ولو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن أن فرنسا ستنسق مع السعودية لتحديد موعد جديد بسرعة لمؤتمر حل الدولتين.
وبالنسبة للبنان، تأكد أن المراوغة الأميركية ظهرت في ممارسة لجنة الإشراف الخماسية على تنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار، وترك كيان الاحتلال يأخذ راحته في العدوان على لبنان وعدم التقيد بأي بند من الاتفاق، طيلة الأشهر الماضية التي تلت توقيع الاتفاق. حتى أن نتائج هذه المراوغة الأميركية وتسليم “رقبة” لبنان لرئيس اللجنة الجنرال الأميركي مايكل ليني، ظهرت في ما أكده مصدر دبلوماسي مطلع في نيويورك لموقع “الجريدة”، بأن شكاوى لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي بسبب اعتداءاته، باتت تُرفع إلى لجنة الاشراف الخماسية، وليس إلى مجلس الأمن الدولي كما كان يحصل في السابق. وبما أن اللجنة تعيش حالة إنكار و”تطنيش” عن ممارسات الاحتلال، بقي لبنان مستفرداً.
إلّا أن العدوان الإسرائيلي على إيران هو الأخطر، في حجمه ونتائجه وآثاره، على الوضع السياسي العام في الإقليم، بحث أكد نتنياهو أن “إسرائيل تغير وجه الشرق الأوسط”، وهوما فشلت بتحقيقه الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ حرب تموز 2006، عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية وقتها كونداليزا رايس عن “مخاض مؤلم من أجل شرق أوسط جديد”، ثم في اعتماد استراتيجية “الفوضى الخلّاقة”.
ومن أبرز ما سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تحقيقه ـ ونجح ولو مؤقتاً ـ يكمن في انسحاب إيران بعد العدوان من المفاوضات النووية، خاصة أن نتنياهو لطالما رفض المفاوضات وظل يحثّ الإدارة الأميركية على إلغائها وضرب إيران عسكرياً، والمح أكثر من مرة أمام ترامب إلى نيّته ضرب إيران عسكرياً لوقف برنامجها النووي، وفعلها أخيراً، بعد المراوغة الأميركية في المفاوضات وإطالة امدها حتى استنفاد مهلة الشهرين ليقع العدوان على أمل أن ينتهي البرنامج النووي بالطريقة العسكرية لا السلمية، لا سيما أن ترامب والعديد من قادة دول الغرب المؤيدة للكيان الإسرائيلي، مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، كانت قد تبلّغت مسبقاً قرار نتنياهو بشن العدوان، وهذا ينفي بشكل قاطع كل ما كان يعلنه ترامب عن “تصفير” الحروب في الشرق الأوسط وجعله منطقة آمنة مزدهرة اقتصادياً.
لكن الأمر غير المتوقع كان حجم الرد الإيراني على الكيان الإسرائيلي “المزلزل”، كما وصفه قادة إيران، بحيث كان الاعتقاد لدى “إسرائيل” والغرب أن الرد سيكون تقليدياً وغير مؤثر. لكنه كان مؤثراً لدرجة أن بعض قادة الكيان والإدارة الأميركية اعتبروا أن نتنياهو أغرق “إسرائيل” في الوحل بحروبه.














