الإثنين, ديسمبر 8, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderمنشأة فوردو: السر المدفون في الجبل

منشأة فوردو: السر المدفون في الجبل

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| ناديا الحلاق |

لطالما شكّلت منشأة فوردو النووية أحد أكثر الأهداف حساسية في حسابات الأمن القومي الإسرائيلي.
فعلى الرغم من أنها لم تُقصف حتى الآن، تكررت في تصريحات قادة “إسرائيل” باعتبارها «هدفاً مشروعاً» في حال فشل الدبلوماسية في كبح الطموحات النووية الإيرانية.

ورغم التهديدات المتكررة، لم تتمكن “إسرائيل” حتى اليوم من استهداف منشأة فوردو، لا بسبب غياب النية، بل لأن موقعها المحصن داخل جبل يجعل من ضربها عسكرياً مهمة شبه مستحيلة من دون تصعيد إقليمي واسع أو نتائج غير محسوبة.

فوردو المحصنة تحت جبل، والقادرة على تخصيب اليورانيوم بنسب تقترب من الاستخدام العسكري، تبدو أشبه بـ”القلعة النووية” التي يصعب كسرها.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي يجعل منشأة فوردو بهذه الأهمية والخصوصية، بحيث تتحول من منشأة علمية إلى عنوان دائم في التهديدات والصفقات والممخاوف؟

منشأة فوردو النووية: السر المدفون في قلب الجبال

في قلب الجبال المحيطة بمدينة قم الإيرانية، وعلى بعد نحو تسعين كيلومتراً جنوب غرب العاصمة طهران، تقع واحدة من أكثر المنشآت النووية إثارة للجدل في العالم: منشأة فوردو النووية.
هذه المنشأة لم تكن معروفة للعالم حتى عام 2009، حين أعلنت دول غربية بقيادة الولايات المتحدة عن اكتشافها، في خطوة أربكت الحسابات الدولية بشأن الطموحات النووية الإيرانية.

موقعها وبنيتها الدفاعية

ما يميز فوردو ليس فقط دورها في البرنامج النووي الإيراني، بل موقعها الفريد داخل جبل صخري. هذه البنية المحصّنة تجعل من تدميرها عسكريًا أمرًا بالغ الصعوبة، بل إن بعض الخبراء يرون أنها تكاد تكون منيعة ضد الضربات الجوية التقليدية. ولهذا السبب، تمثل فوردو تحدياً استخباراتيًا وعسكريًا كبيراً لأي دولة تفكر في استخدام القوة لمنع إيران من الوصول إلى قدرات نووية.

من السر إلى العلن

بدأت إيران بناء المنشأة بسرية تامة، من دون أن تبلغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما تقتضي الاتفاقات الدولية، إلى أن اضطرت في أيلول 2009 إلى الاعتراف بها، بعد أن كشف الغرب وجودها علنًا. وقد أثار هذا الاكتشاف موجة من القلق في العواصم الغربية، إذ إن بناء منشأة نووية تحت الأرض يوحي بنوايا تتجاوز الاستخدامات السلمية المعلنة.

الدور في تخصيب اليورانيوم

أُنشئت فوردو بالأساس لتخصيب اليورانيوم، وهي العملية التي يمكن استخدامها سواء في إنتاج الوقود النووي أو – بدرجات تخصيب عالية – في إنتاج السلاح النووي. في بداياتها، ضمت المنشأة ما يقرب من 3,000 جهاز طرد مركزي. ورغم أن إيران تصر على أن برنامجها النووي سلمي، فإن قدرة فوردو على تخصيب اليورانيوم إلى نسب مرتفعة تصل إلى 60% تثير شكوكاً واسعة، خاصة وأن النسبة المطلوبة لتصنيع سلاح نووي لا تتجاوز 90%.

فوردو والاتفاق النووي

مع توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، وافقت طهران على تعليق نشاطات التخصيب في فوردو، وتحويلها إلى مركز لأبحاث الفيزياء النووية. استُقبل هذا القرار حينها على أنه انتصار دبلوماسي يحد من قدرات إيران على تطوير سلاح نووي. لكن مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، تغيّر المشهد، وبدأت إيران بالتراجع تدريجياً عن التزاماتها، لتعود إلى تشغيل أجهزة الطرد المركزي في فوردو، وتخصيب اليورانيوم بنسب متزايدة.

بين العلم والسياسة

تُعدّ منشأة فوردو رمزًا للسيادة الإيرانية في نظر طهران، وورقة ضغط دبلوماسية في يد النظام الإيراني في أي مفاوضات مستقبلية. لكن في المقابل، يرى خصوم إيران أن وجود مثل هذه المنشأة المحصنة تحت الأرض يبعث برسالة واضحة: هناك ما يجب إخفاؤه. وهنا تتداخل الحسابات العلمية مع الاعتبارات الأمنية والسياسية، لتجعل من فوردو أكثر من مجرد منشأة نووية؛ إنها جزء من لعبة معقدة تتجاوز حدود إيران.

تهديدات محتملة وتوازنات هشة

في أكثر من مناسبة، لمّحت “إسرائيل” والولايات المتحدة إلى احتمال ضرب منشآت إيران النووية إذا اقتضى الأمر. لكن فوردو، بسبب موقعها المحصن، تمثل معضلة حقيقية لأي عملية عسكرية، ليس فقط لصعوبة تدميرها، بل للخطر الذي قد ينجم عن استهدافها، سواء على مستوى التسرب الإشعاعي أو التصعيد الإقليمي الواسع. ولهذا السبب، تبقى المنشأة نقطة حساسة في أي نقاش دولي حول أمن المنطقة ومنع انتشار الأسلحة النووية.

فوردو ليست مجرد منشأة لتخصيب اليورانيوم، بل هي مرآة تعكس تعقيدات الملف النووي الإيراني. وجودها تحت الأرض، واستمرار العمل فيها رغم الضغوط الدولية، يبرزان مدى إصرار إيران على المضي في مشروعها النووي، سواء لأهداف علمية أو سياسية أو حتى عسكرية. ومع كل جولة تفاوض أو تصعيد، تعود فوردو إلى الواجهة، لتذكّر الجميع بأن الطريق إلى الاتفاق أو الصدام لا يزال طويلاً ومليئاً بالتحديات.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img