الجمعة, ديسمبر 5, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةسياسة"واتساب" أسقط حكومة.. و"تفويلة سيارة" تشعل الشارع اللبناني من جديد؟

“واتساب” أسقط حكومة.. و”تفويلة سيارة” تشعل الشارع اللبناني من جديد؟

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| ناديا الحلاق |

في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات، جاءت خطوة الحكومة اللبنانية الأخيرة كمن يصب الزيت على النار.
في جلستها الأخيرة، قررت الحكومة تثبيت أسعار المحروقات عند معدلات 8 شباط 2025، متجاهلة الانخفاض العالمي في أسعار النفط، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر صفيحة البنزين بنسبة 7% والمازوت بنسبة 14%.

ورغم أن القرار اتخذ تحت عنوان «تمويل منح شهرية للعسكريين»، إلا أن الشارع قرأه بشكل مختلف: ضريبة مقنّعة تضاف على كاهل المواطنين الذين يرزحون أساساً تحت ثقل الغلاء والانهيار.
القرار الحكومي لم يأتِ نتيجة نقاش وطني أو توافق سياسي، بل فُرض فجأة، من دون أي خطة واضحة للتخفيف من آثاره على باقي فئات المجتمع.

وبينما حصل العسكريون في الخدمة والمتقاعدون على زيادات مالية، بقي موظفو القطاع العام الآخرون خارج دائرة الدعم، ما عمّق الإحساس بالتمييز وكرّس غياب العدالة الاجتماعية.
وبذلك، بدا القرار وكأنه محاولة لشراء رضا شريحة معينة، على حساب غالبية اللبنانيين.

المفارقة أن هذا القرار أتى في وقت يواجه فيه اللبنانيون تراجعاً غير مسبوق في قدرتهم الشرائية، ويدفعون فواتير ورسوم عامة على أساس سعر صرف السوق، الذي تجاوز 90 ألف ليرة للدولار. وفي غياب أي تدخل فعلي لضبط الأسعار، تحوّل تثبيت سعر المحروقات إلى خطوة تزيد من التآكل الاقتصادي، وتفتح الباب واسعاً أمام موجة احتجاجات شعبية جديدة.

التحذيرات من عودة الشارع إلى التحرك بدأت بالفعل، لا سيما أن اللبنانيين اختبروا في السنوات الماضية فعالية الضغط الشعبي في مواجهة قرارات مماثلة. واليوم، مع اشتداد الأزمات المعيشية وغياب الرؤية الحكومية المتكاملة، تبدو الأرضية مهيأة لانفجار اجتماعي جديد، قد ينطلق من وجع الناس ويمتد إلى مختلف القطاعات.

القطاعات الإنتاجية تدفع الثمن

الضرر لم يقتصر على المواطنين، بل امتد ليصيب قلب الاقتصاد الوطني: القطاعات الإنتاجية. فقد حذّر وزير الصناعة جو عيسى الخوري من انعكاسات القرار على كلفة الإنتاج الصناعي، وطالب باستثناء القطاع الصناعي من رسوم المازوت، باعتباره مادة حيوية لتشغيل المصانع.
كذلك حذّر رئيس تجمع المزارعين في البقاع من الكارثة التي ستحل بالزراعة، قائلاً إن المازوت هو “الدم الذي يجري في عروق الأرض”، إذ لا يمكن إنجاز أي عمل زراعي من دون هذه المادة.

من جهتهم، عبّر الصناعيون في الجنوب عن غضبهم، معتبرين أن القرار بمثابة «سياسة تدمير ممنهجة» تهدد بإغلاق المزيد من المصانع ودفع المستثمرين إلى الهروب.

ولا يختلف الوضع كثيراً في باقي القطاعات المنتجة، من الزراعة إلى السياحة، حيث باتت كلفة التشغيل أعلى من قدرة السوق على التحمل.

وزارة الاقتصاد، من جهتها، سعت إلى ضبط تداعيات القرار، فحذرت التجار وأصحاب المولدات من رفع الأسعار بشكل عشوائي. لكن من دون رقابة فعلية أو إجراءات رادعة، فإن هذه التحذيرات لا تملك القوة الكافية لمنع استغلال الأزمة.

ويخشى كثيرون أن تشهد الأسواق موجة غلاء جديدة، لا سيما في أسعار الخبز والمواد الأساسية، ما سيزيد من حدة الغضب الشعبي.

مستقبل غامض وغضب محتمل تجميد أسعار المحروقات بهذا الشكل، وفي هذا التوقيت، عكس مرة جديدة انفصال السلطة عن نبض الشارع. فبدلاً من أن تكون الحكومة داعمة للقطاعات المنتجة وراعية للفئات الأكثر هشاشة، اختارت أن تغطي العجز المالي على حساب المواطنين. والنتيجة المتوقعة؟ موجة احتجاجات جديدة، قد تنطلق من الشارع في أي لحظة.

اللبنانيون الذين فقدوا الثقة بمؤسسات الدولة، يرون في هذا القرار إشارة إضافية إلى أن معاناتهم ستستمر وتتعمق، ما لم تُجرَ تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. والأخطر من ذلك أن البلد لم يعد يملك القدرة على امتصاص الصدمات المتكررة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي.

وفي هذا السياق، لا يمكن فصل ما يحدث اليوم عن الذكرى المؤلمة لثورة 2019، التي انطلقت شرارتها الأولى من مشروع زيادة بسيطة على رسوم “الواتساب”، والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وأشعلت احتجاجات شعبية واسعة.

ما يجري الآن، من تثبيت أسعار المحروقات على مستويات مرتفعة، هو بمثابة وقود جديد قد يعيد تأجيج الغضب الشعبي، ويؤدي إلى موجة احتجاجات قد تكون أكثر اتساعاً وتأثيراً.

لذلك، على السلطة أن تدرك أن ما يحدث ليس مجرد قرار اقتصادي عابر، بل مؤشر قوي على احتمالية انفجار اجتماعي جديد يحمل في طياته تحديات كبيرة للأزمة اللبنانية المستمرة.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img