| ناديا الحلاق |
انكشفت فضيحة مالية داخل بنك “البحر المتوسط”، وتحديداً في أحد أبرز فروعه في بيروت ـ فرع “فوش”، حيث وُضعت علامات استفهام كبيرة حول مصير مبالغ ضخمة اختفت من حسابات عدد من كبار المتعاملين مع المصرف، وليس من زبون واحد فقط كما أشيع بداية.
وفق وثائق مصرفية وبيانات اطّلع عليها مصدر قضائي، تبيّن أن رجل أعمال لبناني بارز، يُعرف عنه نشاطه في قطاعات متعددة داخل لبنان وخارجه، فوجئ خلال مراجعة دورية أجراها في شهر نيسان الماضي، بأن أرصدته المصرفية التي كانت تقدّر بملايين الدولارات ومليارات الليرات اللبنانية قد تقلّصت بشكل مريب، من دون أن يكون قد أجاز أي تحويلات بهذا الحجم. واللافت أن هذا الزبون هو ابن شقيقة مدير الفرع نفسه، ما يطرح تساؤلات إضافية حول طبيعة العلاقة بين الطرفين ودرجة الثقة التي أُسيء استخدامها.
التحقيقات الأولية تشير إلى أن جزءًا من هذه الأموال حُوّل إلى حسابات مصرفية أخرى باسم أطراف ثالثة، من دون توقيع أو تفويض قانوني واضح. وتتحدث المصادر عن عمليات نقل أموال كانت تتم بوتيرة شبه يومية، بعضها بالدولار النقدي، فيما بقيت تفاصيل كثيرة طيّ الكتمان، بانتظار اكتمال التدقيق الفني والمحاسبي.
وما بدأ يخرج للعلن، أن التحويلات المشبوهة لم تقتصر على حساب الزبون المذكور فقط، بل شملت أيضاً حسابات أخرى لعدد من العملاء داخل الفرع نفسه، ما يدلّ على نمط متكرّر وممنهج، وليس على حادثة فردية معزولة.
ما يزيد من خطورة الملف هو الاشتباه بتورط موظفين من داخل المصرف نفسه، بينهم مدير الفرع وأفراد من الطاقم الإداري، حيث يُشتبه في قيامهم باستغلال مواقعهم لتنفيذ التحويلات بطريقة تتعارض مع القواعد المصرفية الداخلية. وتضاربت المعلومات بشأن مصير مدير الفرع، ففي حين تحدثت مصادر قضائية عن توقيفه رسمياً، أشارت مصادر أخرى إلى أنه غادر البلاد قبل تفجّر القضية إعلامياً، ما يفتح الباب أمام مزيد من التكهنات حول ما إذا كان قد تم التستر على خروجه أو تسهيله.
من جهة أخرى، عبّر عدد من زملاء مدير الفرع عن استغرابهم لما جرى، مشيرين إلى أن سمعته المهنية كانت إيجابية في الأوساط المصرفية، ولم تكن تلاحقه أي سوابق أو شبهات تُذكر، ما يجعل من القضية أكثر غموضاً ويطرح علامات استفهام حول ما إذا كان قد تصرف بمفرده أم بضغط أو توجيه من جهات أعلى.
مصدر قضائي مطّلع على التحقيقات وصف ما يجري بأنه “يتجاوز حدود الإهمال المهني إلى احتمال التواطؤ والتغطية”، في ظل مؤشرات على أن بعض العمليات جرت بعلم إداري مسبق. إحدى الإفادات التي وردت في الملف تفيد بأن أي عملية سحب تفوق سقفاً مالياً محدداً لا تُنفّذ من دون المرور بالموافقة المركزية، ما يُفسّر طبيعة التسلسل الإداري الذي قد يكون ساهم في تمرير هذه العمليات.
امتناع عن التعليق الرسمي
وحاول موقع “الجريدة” الاتصال برئيسة مجلس إدارة بنك “البحر المتوسط” السيدة ريا الحسن، للحصول على تعليق رسمي حول حيثيات القضية وموقف الإدارة من مجريات التحقيق، إلا أنها رفضت الإدلاء بأي تصريح، مشيرة إلى أن “الموضوع برمّته في عهدة القضاء المختص”، مكتفية بهذا الرد دون الخوض في أي تفاصيل إضافية.
وأكدت مصادر مطّلعة على أجواء مجلس الإدارة لموقع “الجريدة” أن أعضاء المجلس نفوا أي علم مسبق لهم بالعمليات المشبوهة التي جرت داخل الفرع، مؤكدين أن الإدارة العليا لم تكن على اطّلاع على تلك التحويلات أو على آلية تنفيذها. ولفتت المصادر إلى أن المجلس يعتبر ما حصل خرقاً فردياً يُخضع حالياً للمساءلة، مع تأكيده على تعاون المصرف الكامل مع الجهات القضائية لكشف كل الملابسات ومحاسبة المسؤولين أياً كانوا.
من جهة أخرى، ظهرت معلومات إضافية تُفيد بأن بعض العمليات تمت تحت غطاء عروض مصرفية مغرية، مثل فائدة تصل إلى 14%، تم الترويج لها داخل الفرع كجزء من توجيهات مزعومة من مصرف لبنان، ما شجّع الزبائن على تجميد أرصدتهم، قبل أن تختفي هذه الأموال لاحقاً في ظروف مشبوهة.
هل يتمكن القضاء من الذهاب بالتحقيقات حتى النهاية؟ أم أن ضغوطاً سياسة ومصرفية ستُفرغ القضية من مضمونها، كما حدث في ملفات سابقة؟














