| جورج علم |
إلى أن يتصاعد الدخان الأبيض من مدخنة ما في هذا العالم المهتم، إيذاناً بحل قابل للحياة في غزّة، يبقى مصير حركة “حماس” ومستقبلها في القطاع رهن التسوية، وشبكة تقاطع المصالح الاقليميّة – الدوليّة.
هبطت مظلّة الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس في بيروت، ومعها لاءات ثلاث:
• لا لسيطرة “حماس” على مخيمات في لبنان.
• لا مخيمات حاضنة لقادة بارزين في الحركة بلبنان.
• لا لأي نشاط فلسطينيّ مسلّح تحت شعار مواجهة “إسرائيل” من لبنان.
إعترضت “الحركة”. وأصدرت بياناً تحت عنوان “الإستقلاليّة” عن السلطة، ضمّنته رفضاً لبعض المواقف التي أطلقها عبّاس، واستندت إلى المتغيّرات المتسارعة، وأبرزها إنطلاق الحوار الأميركي ـ “الحمساوي”.
أطلق سراح الجندي الإسرائيلي ـ الأميركي عيدان ألكسندر، عقب محادثات مباشرة بين “الحركة”، ومسؤولين أميركيّين في الدوحة. وإعتبر المبعوث الأميركي آدم بولر الخطوة “إيجابيّة، وإلى الأمام”. فيما أبدت “الحركة” موافقتها على: “إدارة قطاع غزّة من قبل جهة مهنيّة مستقلّة، بما يضمن إستمرار الهدوء والإستقرار لسنوات طويلة، إلى جانب الإعمار، وإنهاء الحصار”.
وكان من الطبيعي أن تعبر طائرة الرئيس الفلسطيني محطات عدّة قبل الوصول إلى بيروت، منها:
1 – إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ضرورة وقف المذبحة في غزّة، وإدخال المساعدات الإنسانيّة على وجه السرعة. فعل ذلك، وهو في طريق العودة من الخليج، بعد زيارة كانت حافلة بالإستثمارات والدولارات.
2 ـ إستقباله الرئيس السوري أحمد الشرع في دارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإعلانه من الرياض رفع العقوبات عن سوريا.
3 ـ موافقته على الحوار مع حركة “حماس” تحت شعار الإفراج عن الرهينة الأميركيّة ـ الإسرائيليّة.
4 ـ موافقة “حماس” على إدارة القطاع من قبل “جهة مهنيّة مستقلّة”، كمقدمة للموافقة على مواصفات اليوم التالي لمصيرها ومستقبلها.
ويبقى السؤال: متى اليوم التالي؟ وأين ستستقر “الحركة”؟
الجواب يُخفق، ويُعجن. إنه قيد الإعداد، والمخابز كثيرة موزّعة وفق خرائط المصالح. ومصداقيّة الرئيس ترامب رهن الإمتحان. تكفّل أمام الرأي العام الدولي، وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، بوقف المذبحة، وإدخال المساعدات. ما جرى لغاية الآن دون المستوى المطلوب.
يقول إنه حرّك المياه الراكدة. الحوار الأميركي ـ “الحمساوي” إنطلق. أدخل مستقبل “حماس” غرفة العناية الفائقة. أطلق مسار رفع العقوبات عن سوريا. إلاّ أن الملفات كثيرة، والعقبات كبيرة، أبرزها تفكيك شبكة المصالح الإقليميّة ـ الدوليّة المتنافسة فوق التراب السوري، وتجفيف منابع الإرهاب، والإفراج عن مصير المواطنين الأميركيّين، وتحديد موقع النظام السوري من الديمقراطيّة، وموقع سوريا الجديدة على خريطة الشرق الأوسط الجديد.
هل سيكون بيت الضيافة في دمشق مؤهلاً لإستقبال قادة “حماس”.
يجزم الأميركيون بأن الموضوع مطروح، لكن في سياق مسار رفع العقوبات، ووفق الترتيب المدرج في سلّم الأولويات. وإستشعر الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان خطورة “الدفرسوار” الأميركي في الجدار السوري، فاستقبل الرئيس الشرع في موعد لم يعلن عنه مسبقاً، مستوضحا مدى تماهيه مع “التحوّل” الأميركي، وإنعكاسات كل ذلك على مستقبل الدور التركي في سوريا، ومستقبل الشمال السوري من تركيا.
أردوغان قلق. زيارة ترامب إلى الخليج أحدثت زلزالاً لم تُعرف درجات قوّته بعد. كان مستقبل “حماس” مطروحاً وراء كواليس الدوحة، وأنقرة، والقاهرة، والرياض، وعواصم أخرى إقليميّة ودوليّة. الآن دخلت واشنطن من الباب الواسع، ووضعت يدها على الملف.
أمام ترامب إمتحان كبير. المعادلة باتت واضحة: مزيد من الإنجازات يّقابل بمزيد من المليارات والإستثمارات.
هناك مؤتمر دولي رفيع المستوى لحل الدولتين برئاسة مشتركة من المملكة العربيّة السعوديّة وفرنسا مقرّراً عقده في حزيران المقبل في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك. هدفه التوصل إلى حل شامل ونهائي للوضع في غزّة، وإطلاق مسار حل الدولتين.
وكان وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان قد رأس نهاية الأسبوع في مدريد الإجتماع الموسّع للجنة الوزاريّة التحضيريّة للمؤتمر، وناقش تطورات الأوضاع في غزّة، والجهود الدوليّة لوقف الحرب.
وأعلنت الخارجيّة السعوديّة، الجمعة الفائت، أن اللجنة الوزاريّة المكلّفة من القمّة العربيّة ـ الإسلاميّة بشأن غزّة، والتي يرأسها الأمير فيصل بن فرحان، وبمشاركة وزيري خارجيّة مصر بدر عبد العاطي والأردن أيمن الصفدي، بحثت مع وزير الخارجيّة الفرنسي جان نويل بارو، الجهود الدوليّة لإنهاء الحرب الإسرائيليّة في القطاع.
وكان إجتماعاً تحضيريّاً آخر قد عقد الجمعة الفائت في مقر الأمم المتحدة برئاسة مشتركة سعوديّة – فرنسيّة.
وأكدت المستشارة في وزارة الخارجيّة السعوديّة منال رضوان التي ترأست وفد بلادها في الإجتماع أن “السعوديّة، بالشراكة مع فرنسا، تسعى لأن يكون المؤتمر الدولي رفيع المستوى نقطة تحوّل تاريخيّة نحو سلام عادل ودائم”، مشدّدة على “ضرورة إنهاء الإحتلال، وتأسيس دولة فلسطينيّة مستقلّة، وقابلة للحياة،، بصفته سبيلاً وحيداً لتحقيق الأمن والاستقرار”.
أين تقف الولايات المتحدة من كلّ هذا؟ أين يقف ترامب الذي عاد من الخليج محمّلاً بتريليونات أربعة من الدولارات؟ هل بحث الموضوع بعمق مع ولي العهد السعودي، وقادة دول مجلس التعاون الخليجي، وأعطى الضوء الأخضر كي تنطلق الدبلوماسيّة السعوديّة بزخم وحيويّة تحضيراً لهذ المؤتمر، وما يفترض أن يسفر عنه من أساسات صلبة يبنى عليها؟
طالع الأيام كفيل بالجواب. إلاّ أن الجواب عند محمود عبّاس أنه غادر بيروت بإنطباعين: خشيته من التمددّ اللبناني تحت الخيمة الأميركيّة، وعند التقلّب في أنيابها العطب. وخشيته من أن يقدم بنيامين نتنياهو على مغامرة تسقط سقف الشرق الأوسط على رؤوس الجميع.. بعلم ترامب.. أو من دون علمه.. الله أعلم!














