| ناديا الحلاق |
في خضم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ سنوات، يشهد سوق المعادن الثمينة تحولاً ملحوظاً في سلوك المستهلكين.
ومع ارتفاع أسعار الذهب عالمياً وتآكل القدرة الشرائية محلياً، بات اقتناء الذهب بعيد المنال لكثير من اللبنانيين.
هذا الواقع دفع شرائح واسعة من المجتمع للبحث عن بدائل أكثر ملاءمة لظروفهم الاقتصادية، وكان أبرزها الفضة، التي فرضت نفسها كخيار عملي و”شعبي” للإدخار.
وبلغ سعر أونصة الذهب عالمياً حوالي 3,216.60 دولار أميركي، وهو ما يعادل نحو 289 مليون ليرة لبنانية. هذا الارتفاع الحاد جعل من الذهب سلعة فاخرة لا يقدر على شرائها إلا من يملكون دولارات نقدية أو تحويلات من الخارج، في حين يجد معظم اللبنانيين أنفسهم غير قادرين حتى على شراء “ربع ليرة” من الذهب.
وفي بلد فقدت فيه الليرة أكثر من 95% من قيمتها منذ عام 2019، بات الذهب رمزاً للثروة لا أداة للادخار كما في السابق.
عدد كبير من المواطنين توقفوا عن شرائه حتى كهدايا تقليدية في المناسبات، كما قال أحد الصاغة في بيروت.
وأضاف: “الذهب أصبح للعرض فقط، من يزور المحل اليوم يسأل عن الأسعار ثم ينتقل فوراً إلى الفضة أو المجوهرات المطلية… لم يعد هناك قدرة شرائية كالسابق”.
الفضة: ملاذ الفقراء واستثمار ذكي
في المقابل، تعتبر الفضة خياراً أكثر واقعية للادخار. إذ يبلغ سعر أونصة الفضة حوالي 32.38 دولار أميركي، أي ما يعادل تقريبًا 2.9 مليون ليرة لبنانية. هذا السعر يجعل من الفضة خياراً متاحاً لشريحة أوسع من اللبنانيين الراغبين في حماية مدخراتهم من التآكل بفعل التضخم، دون الحاجة لمبالغ كبيرة.
ولم يعد الإقبال على الفضة مقتصراً على الأفراد فقط، بل بدأت بعض المحلات بعرض منتجات مخصصة لهذا السوق، مثل سبائك صغيرة وأونصات نقية، وحتى “شهادات ملكية فضة”. كل ذلك في محاولة لتسهيل الوصول إلى هذا المعدن وتحفيز ثقافة الادخار الجديدة.
تزايد الطلب على الفضة في السوق اللبنانية
خلال جولة لموقع “الجريدة” على المحلات في بيروت، أشار العديد من تجار المعادن الثمينة إلى تزايد ملحوظ في الطلب على الفضة خلال الأشهر الأخيرة.
وقال أحد التجار في سوق بربور: “نلاحظ إقبالاً متزايداً من الزبائن على شراء أونصات الفضة، خصوصاً من الطبقة المتوسطة وما تبقى من الطبقة العاملة، الجميع يحاول أن يحتفظ بقيمة أمواله بأي طريقة”.
وأضاف آخر من برج حمود: “نبيع الآن أونصات فضة أكثر مما نبيع ذهب، حتى من كانوا يشترون ذهباً للمهور والمناسبات، باتوا يسألون عن الفضة كخيار رمزي ولائق”.
أبعاد اقتصادية واجتماعية
تحوّل الفضة إلى بديل للذهب يعكس واقعاً اقتصادياً واجتماعياً متغيراً في لبنان.
في السابق، كان الذهب ينظر إليه كأداة ادخار للأزمات.
أما اليوم، باتت الفضة تمثل أداة مقاومة فردية للانهيار الاقتصادي، كما أن الفضة تستخدم على نطاق واسع في الصناعات التكنولوجية والطبية، وفي قطاع الطاقة النظيفة (مثل الخلايا الشمسية)، ما يعزز من جاذبيتها على المدى الطويل ويمنحها قيمة تتجاوز الاستخدام التقليدي.
المصارف خارج اللعبة
هذا التوجه يعكس أيضاً انعدام الثقة الكامل بالنظام المصرفي، مع تجميد الحسابات وتحكم المصارف في عمليات السحب، يلجأ المواطنون إلى الأصول العينية مثل المعادن، بدلًا من الاحتفاظ بأموالهم داخل النظام المصرفي.
إذاً، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية وغياب الحلول السياسية والمالية، يبدو أن الفضة أصبحت الخيار المنطقي والوحيد لشرائح واسعة من المجتمع اللبناني، ورغم تقلبات سوق الفضة عالمياً، فإنها بالنسبة للبنانيين أصبحت رمزاً للصمود والتكيّف في وجه انهيار غير مسبوق.. أونصة بأونصة.














